يخشي بعض الاقتصاديين ان يتسبب التقدم التكنولوجي الهائل في تفاقم أزمة البطالة, ففي غضون أعوام قليلة ستنتشر في العالم السيارات بدون سائق, الروبوت الذي سيمكنه ادارة خطوط انتاج كاملة بالمصانع, طائرات الدرون الصغيرة التي سترسل طلبك من البيتزا ساخنة لاعتاب منزلك, ستتطور تكنولوجيات الواقع الافتراضي تطورا غير مسبوق وسيكون هناك مصانع متخصصة في تصنيع قطع الغيار البشرية.. فهل ستحل تلك التكنولوجيات محل العمالة البشرية وتقلص من فرص العمل؟..لننظر الي الماضي ونحاول استنباط الاجابة. في بدايات الثورة الصناعية, ظهرت ماكينات النسيج التي حلت محل العمالة اليدوية, كان بمقدور الماكينة الواحدة ان تنسج بسرعة50 عاملا يدويا. لأول وهلة بدا وكأن تلك الآلة ستقلل من عدد العمال, لكن الواقع ان العمالة في مجال الغزل والنسيج زادت ولم تنقص, فالتكنولوجيا الجديدة خلقت أنواعا جديدة من الاحتياجات: مديرون للمحالج, فنيون لصيانة وإصلاح الماكينات كما انها أنتجتبضائع رخيصة ومتنوعة شجعت علي ازدياد الاحتياجات وبالتالي غزارة الانتاج. مثال آخر: قبل استقدام أجهزة سحب وإيداع النقودATM المنتشرة الآن في كل بقاع العالم, كنا نذهب الي الصرافين بالبنوك كلما أردنا صرف أو إيداع نقود. المنطقي ان نفترض ان مهنة الصراف قد انقرضت بقدوم اجهزة سحب النقود ولكن الواقع ان عددهم زاد ولم ينقص, فقد أمكن ببعض التدريب استخدامهم في البنوك في خدمات جديدة مثل بيع كروت الائتمان او التسويق لقروض شراء العقارات. مثال ثالث يعلمه جيدا زملائي من المهندسين. في الستينايات من القرن الماضي كانت المسطرة الحاسبة هي اعلي اداة حسابية متاحة للمهندس, ثم ظهرت الماكينة الحاسبة في السبعينيات, وبعدها بأعوام ظهرت أجهزة الكومبيوتر وانتشرت في الثمانينيات تطبيقات لبرامج هندسية وبرامج التصميم الهندسي, فهل قلل هذا من عدد المهندسين والرسامين في الصناعة؟ علي العكس فقد ظهرت احتياجات من نوع جديد وهم مطبقو تلك التكنولوجيات كما ازدهرت علوم لم تكن معروفة من قبل: نظم المعلومات الجغرافية(GIS), تكنولوجيات تحديد المواقع(GPS), أعمال المسح ثلاثي الأبعاد. إذن التكنولوجيا مهما تقدمت ستظل تخلق فرص عمل جديدة, وهناك دائما فئتان سيحتاجهما العالم وأسواق العمل:المخترعون ومستخدمو التكنولوجيا. يتربع علي عرش الفئة الاولي عباقرة من أمثال: بيل جيتز الذي ادرك مبكرا المستقبل الزاهر لصناعة البرامج واخترع الويندوز والأوفيس, ستيف جوبز الذي اخترع الماكنتوش وآي باد وآي فون, جيف بيزوس الذي أنشا اكبر متجر إلكتروني في العالم( أمازون) ويرجع اليه فضل انتشار الكتب الالكترونية( هل تعلم انه تم انتاج أكثر من نصف مليون كتاب في عام2015 في أمريكا وحدها؟), إيلون ماسك مخترع اول عربة كهربائية وصديقة للبيئة في العالم, وهناك عشرات الآلاف غيرهم من المخترعين في جميع مجالات العلم وهؤلاء هم قاطرة التقدم في هذا العالم ولكن مهما كثر عددهم فهم طيور نادرة لا توجد او تتكرر بسهولة. اما الفئة الاخري وهي الاكثرية والتي ستلتهم معظم فرص العمل فهم مستخدمو التكنولوجيات التي اخترعها الفريق الاول. نخلص من هذا لبضع نقاط أراها مهمة:التكنولوجيات تتطور بسرعة مذهلة, المناهج الدراسية في العالم كله تلهث لكي تلاحق تلك التطورات وتعطي لطلابها العلوم والمعرفة التي تساير العصر, تطوير التعليم مطلب ملح ودائم في جميع الدول المتقدمة, من لا يفهم لغة العصر او يفهم فقط لغة قديمة( المسطرة الحاسبة مثلا) فهو متأخر وعفي عليه الزمن, فرص العمل لن تقل بل ستزيد ولكن فقط لأصحاب التعليم المناسب ومن لديهم القدرة علي مواكبة احدث تكنولوجيات ولغة العصر..والسؤال: أين نحن من كل هذا؟. [email protected]