يقول أبو طالب المكي: أعلم أن الصبر سبب دخول الجنة, وسبب النجاة من النار لأنه جاء في الخبر حفت الجنة بالمكاره, وحفت النار بالشهوات, فيحتاج المؤمن إلي صبر علي المكاره ليدخل الجنة, وإلي صبر عن الشهوات لينجو من النار. وقال: اعلم أن كثرة معاصي العباد في شيئين: قلة الصبر عما يحبون, وقلة الصبر علي ما يكرهون. وإذا كان هذا شأن الصبر مع كل الناس, فأهل الإيمان أشد الناس حاجة إليه لأنهم يتعرضون للبلاء والأذي والفتن( ألم, أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون, ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين), وقال:( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء, وزلزلوا حتي يقول الرسول والذين آمنوا معه متي نصر الله, ألا إن نصر الله قريب), وكان التأكيد أشد في قوله:( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذي كثيرا, وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور), لقد بينت موقف المؤمنين بين الصبر والتقوي فلا يكتفوا بالصبر وحده حتي يضيفوا إليه تقواهم لله بتعففهم عن مقابلة الخصم بمثل أسلحته الدنيئة فلا يواجه الدس بالدس لأن المؤمنين تحكمهم قيمهم الأخلاقية في السلم والحرب والرخاء والشدة. ثم وصفت الآية الأذي المسموع بأنه كثير, فلابد أن يوطن المسلمون أنفسهم علي سماع الافتراءات والزور والتلفيق والبهتان من عدوهم حتي يأتي نصر الله. ورسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أشد أهل الإيمان حاجة إلي الصبر لأنهم الذين يقومون أساسا بالدعوة ويجابهون الأمم بالتغيير وهم حين يقومون بذلك يكون الواحد منهم فردا في مواجهة أمة تعانده وتكذبه وتعاديه, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, وكلما كان القوم أشد عنادا وأكثر إغراقا في الضلال كانت حاجة نبيهم إلي الصبر أكثر كأولي العزم مثلا, نوح وإبراهيم وموسي وعيسي عليهم الصلاة والسلام. والحديث موصول.