من أهم العقبات التي تواجهنا عندما نتعرض لأزمة أو مشكلة هي طريقة تفكيرنا المتحجرة, فنحن دائما ما نضع نصب أعيننا حلا من اثنين, إما أن تحل المشكلة بالطريقة التي نريدها, وإما أنها ستظل كما هي بلا حل, فنحن نرفض فكرة الحلول البديلة, وكأن الحل الذي قررناه هو الحل الأمثل الذي لا يضاهيه أي رأي آخر, وهذا بالقطع فكر جامد يفتقد للمرونة والدبلوماسية, والقدرة علي التكيف مع أزمات الحياة. فنحن لا نملك العقول العبقرية التي لا تشوبها شائبة حتي نظن أننا نري ما بعد الأفق, والعبقرية الحقيقية لا تكمن في إيجاد حلول للمشاكل المستعصية, وإنما في القدرة علي وضع أكثر من حل بديل للأزمة; حتي لا نصاب بالصدمة من جراء عدم حدوث ما نبتغيه. وأذكر أنه في ذات مرة قد حكم أحد الملوك علي شخصين بالإعدام لجناية ارتكباها, وحدد موعد تنفيذ الحكم بعد شهر من تاريخ إصداره, وقد كان أحدهما مستسلما خائفا يائسا, وقد التصق بإحدي زوايا السجن باكيا منتظرا يوم الإعدام, أما الآخر فكان ذكيا لماحا, طفق يفكر في طريقة ما لعلها تنجيه أو علي الأقل تبقيه حيا مدة أطول, فجلس في إحدي الليالي متأملا في السلطان وفي مزاجه وماذا يحب وماذا يكره, فتذكر مدي عشقه لحصان لديه, حيث كان يمضي جل أوقاته مصاحبا لهذا الحصان, وخطرت له فكرة خطيرة, فصرخ مناديا السجان طالبا مقابلة الملك لأمر خطير, فوافق الملك علي مقابلته وسأله عن هذا الأمر الخطير, فقال له السجين أنه باستطاعته أن يعلم حصانه الطيران في خلال سنة, بشرط تأجيل إعدامه لمدة سنة, وقد وافق الملك, حيث تخيل نفسه راكبا علي الحصان الطائر الوحيد في العالم! فسمع السجين الآخر بالخبر وهو في قمة الدهشة قائلا له: أنت تعلم أن الخيل لا تطير, فكيف تتجرأ علي طرح مثل تلك الفكرة المجنونة؟!.. فقال له السجين الذكي: أعلم ذلك, ولكنني منحت نفسي أربع فرص محتملة لنيل الحرية.. أولها أن يموت الملك خلال هذه السنة.. وثانيها أن أموت أنا وتكون ميتة الفراش أعز من الإعدام.. والثالثة أن الحصان قد يموت.. والرابعة قد أستطيع أن أعلم الحصان الطيران. فهل هناك خلاف علي أنه بالرغم من غرابة تفكير هذا الرجل إلا أنه رفض الاستسلام لمشكلته وحاول التحايل عليها بشتي الطرق; حتي ينقذ نفسه لو بقدر يسير, فهذا هو التفكير الإيجابي الذي يتماشي مع أزمات الحياة وابتلاءاتها, فلابد من محاولة وضع الكثير من البدائل لحل مشاكلنا, وعدم الوقوف عند وجهة نظر واحدة أو مرحلة معينة, فالحياة دائما تعطي اختياراتها للبشر, فهي لا تفرض عليهم لونا معينا من التفكير, والدليل علي ذلك أن المؤهل الدراسي الواحد قد يتيح لصاحبه أن يختار العمل في أكثر من مجال وربما في مجالين معا, والإنسان يختار صديقه المفضل من بين أكثر من صديق, وأحيانا عند الدواء نضطر إلي شراء الدواء البديل, ونكتشف أنه يفوق في مادته الفعالة الدواء الموصوف. وباختصار كل مناحي الحياة تمنح البدائل وتعطي فرصة الاختيار, ولكن المشكلة دائما تكمن في صاحبها, فهو الذي يغلق الدائرة علي نفسه ولا يسمح لأفكاره أن تتجول خارج الإطار المرسوم, فهو دائما يرفض فكرة الحل البديل, ويعتبر عدم تحقق مأربه نهاية المطاف وقمة الفشل الذريع, في حين أن التجارب الحياتية والعملية أثبتت أن البدائل أحيانا تتفوق علي الفكرة الأساسية. وأخيرا, فنصيحتي لكل من تحجر فكره وتوقف عند مرحلة معينة أن ينظر بفلسفة أعمق للأمور ويسمح لعقله أن يجول داخل فكرة تسمي فلسفة البدائل.