مصر في ثورة واليابان في كارثة. القتلي في مصر لم يتجاوزوا الألف في أسوأ التقديرات, بينما تجاوز عددهم في اليابان الثمانية آلاف بالإضافة إلي مثلهم من المفقودين الذين لم يتحدد مصيرهم بعد. الكارثة اليابانية كلفت البلاد ما يقدر بنحو ثلاثمائة مليار دولار, بينما التكلفة الاقتصادية للثورة المصرية مازالت تقف في حدود المليارات العشرة وفقا لما هو متاح من تقديرات. الملايين من اليابانيين معرضون لخطر الإشعاعات المميتة التي تترك آثارها لأجيال, بينما المصريون معرضون لاضطرابات نفسية مؤقتة تنتج عن القلق والتوتر ونوبات الفرح والفزع المتتالية التي تصاحب الثورة. رغم كل هذا فإن اليابان ستخرج من الأزمة وتتغلب علي الكارثة أسرع مما ستجتاز مصر آثار الثورة. فالتسونامي الياباني أصاب البنية التحتية والمنازل ومحطات الطاقة, وكلها أشياء يمكن إعادة بنائها وتعويضها باستثناء أرواح الضحايا الذين اكتسحتهم المياه. أما التسونامي المصري فقد اكتسح أمامه النظام السياسي وهيئات الدولة وأجهزة الأمن ومؤسسات صنع القرار, وكلها أشياء تستغرق إعادة بنائها وقتا طويلا, وقد ننجح في ذلك أو لا ننجح. اليابانيون سيقفون موحدين خلف حكومتهم وهي تعيد بناء البلاد, بينما المصريون سينقسمون إلي شيع وأحزاب يريد كل منها الفوز بالغنيمة بمفرده, ويتمني كل منهم لو أحبط خطط الآخر, أو قضي عليه كلية. جميع اليابانيين اليوم يشتركون في حزن واحد معمم, وكلهم سيفرحون بالقدر نفسه كلما تقدموا خطوة علي طريق إعادة البناء. أما المصريون اليوم فبعضهم مبتهج وفرح والآخر عكس ذلك, وهو نفس المشهد الذي سيتكرر عند كل خطوة نقطعها نحو الأمام, بالضبط كما حدث بعد الاستفتاء علي التعديلات الدستورية. المجتمع البشري مثله مثل جهاز الحاسب الآلي يتكون من هارد وسوفت وير. الهارد وير هو ذلك الصندوق المعدني والشاشة المتصلة به, أما السوفت وير فهو مجموعة البرامج المعقدة التي تحول الحاسب الآلي من كتلة من الحديد والبلاستيك إلي جهاز ذكي يصنع المعجزات. الهارد وير الياباني تعرض للدمار لكن اليابانيين يستطيعون شراء بديل له يشغلونه بالسوفت وير الذي مازال يعمل بكفاءة. أما في مصر فقد دمر الثوار السوفت وير الذي كان بطيئا ودائم' التهنيج' ويعمل علي مزاجه, لكن دون أن يكون لديهم سوفت وير بديل. المهندسون المصريون دخلوا في مرحلة النزاع علي بناء السوفت وير الجديد, وكل منهم يبني بيد بينما يهد ما يصنعه رفاقه باليد الأخري, ويبدو أننا سنظل في هذا الحال زمنا ليس قصيرا.