فور تطويق التنظيمات الإرهابية في حلب, انطلقت حملة دولية محمومة لإنقاذ الإرهابيين في سوريا, وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الأكثر نشاطا وحركة, وتحدث بكلمات أكثر وضوحا عن رفض إلحاق الهزيمة بالإرهابيين في معركة حلب, وطالب كلا من موسكو ودمشق بوقف ما سماه العمليات الهجومية, داعيا إلي ضرورة فك الطوق عن المسلحين المحاصرين شرق حلب. كان كيري قد توجه إلي موسكو عندما انطلق هجوم الجيش السوري وحلفاؤه علي شرق حلب, وقطع طريق الكاستيلو, الشريان الرئيسي لإمدادات المسلحين, وحاول إقناع موسكو بالورقة التي كشف عنها المعارض السوري ميشيل كيلو, والتي تتضمن وقف القتال علي كل الجبهات, والاتفاق علي هدنة طويلة, حتي انجاز محادثات السلام, لكن يبدو أن موسكو لم ترحب بورقة كيري, فمازالت خدعة الهدنة الأولي تؤرق موسكو, التي تمكنت خلالها التنظيمات الإرهابية من إعادة تنظيم دفاعاتها, ووصلتها إمدادات ضخمة من تركيا, مكنتها من استعادة بعض المواقع, بعد أن كانت علي شفا الانهيار الشامل, لتضيع علي التحالف الروسي فرصة ثمينة لتحقيق انتصار كبير وحاسم علي التنظيمات الإرهابية في سوريا. لكن يبدو أن كيري لم يكن يتصور أن ينجح الجيش السوري وحلفاؤه في حصار الإرهابيين داخل حلب بمثل هذه السرعة, لهذا أعرب عن شعوره بخيبة الأمل من الموقف الروسي, محذرا بلهجة متشددة من عواقب استمرار القتال في حلب, بينما جاء إسقاط مروحية نقل عسكرية روسية في حلب, أثناء نقل مساعدات إنسانية, ومشهد سحل جثامين العسكريين الروس الخمسة, والتمثيل بالجثث, ليثير غضب موسكو من التنظيمات التي تصفها واشنطن بالمعتدلة. لم تقتصر التحركات الأمريكية علي المسار الدبلوماسي, بل كثفت تحركاتها العسكرية, وأعلنت عن فتح جبهة جديدة علي حدود سوريا الجنوبية, وبثت مقاطع فيديو لضباط أمريكيين يدربون المعارضين السوريين علي الحدود الأردنية, لتعويض توقف الجبهة الشمالية بسبب محاولة الانقلاب في تركيا, والوضع الغامض للموقف التركي الجديد, وهو ما حاول رئيس الأركان الأمريكي أن يستوضحه خلال زيارته لأنقرة, والتي أعرب خلالها عن أمله في استمرار التعاون العسكري بين البلدين, في الوقت الذي زار فيه وزير الدفاع الأمريكي بغداد, ثم عقد اتفاقية عسكرية مع كردستان العراق, ليتوقف بعدها زحف الجيش العراقي نحو الموصل, آخر المعاقل الرئيسية لتنظيم داعش في العراق, وكانت أمريكا تسعي دوما لإبطاء العمليات العسكرية العراقية ضد داعش. ومن غرائب الأحداث, اتفاق الولاياتالمتحدة مع تنظيم القاعدة علي تغيير اسم جبهة النصرة, حتي تتمكن واشنطن من وضعها في قائمة التنظيمات المعتدلة, ورفعها من قائمة التنظيمات الإرهابية, وترحيب أيمن الظواهري ومباركته هذه الخطة. دخلت الأممالمتحدة علي خط المساعي الرامية لإنقاذ التنظيمات الإرهابية في سوريا, داعية إلي اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين, ودعت إلي هدنة دائمة, ووقف العمليات القتالية. كان الموقف الفرنسي هو الأكثر إدهاشا, فبعد التصريحات النارية للحكومة الفرنسية ضد الإرهابيين عقب مجزرة نيس, تحركت في الاتجاه المعاكس لتنتقد عملية حصار الإرهابيين في شرق حلب, ودعا وزير الخارجية الفرنسي إلي وقف عمليات الجيش السوري والطلعات الجوية الروسية, والحجة هي الاعتبارات الإنسانية, بينما كانت الطائرات الفرنسية تشارك في عمليات ضد داعش في ليبيا, وسقطت إحدي المروحيات, ولقي ثلاثة عسكريين مصرعهم, ليتضح مدي تأثر الموقف من الإرهاب بالمصالح والحسابات السياسية. سيظل العالم يدفع ثمنا غاليا من الأرواح والدمار نتيجة استخدام التنظيمات الإرهابية في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية, واعتبار الإرهاب حقلا للاستثمار, مازال يجري الانفاق عليه ببذخ, علي حساب سلامة وأمن ملايين الأبرياء.