لم أكمل قراءة رواية عطارد الكابوسية التي وصلت في تقييمها إلي القائمة القصيرة- قبل النهائية- لجوائز البوكر العربية.. بينما قرأت رواية قواعد العشق الأربعون لكاتبتها المبدعة إليف شافاق مرتين.. رغم أن الرواية الأخيرة تفوق الأولي في عدد الصفحات.. رواية عطارد تحكي من خلال قناص محترف عن مصر المستقبلية المحتلة! من دولة صغري. حيث يبدأ عطارد القناص وطنيا- داخل الحكي- ثم يتحول فوضويا قائلا بعد ذلك.. بينما رواية قواعد العشق الأربعون تحكي من خلال ثقافة مدروسة واعية.. عن اللقاء الذي تم بين جلال الدين الرومي سلطان العاشقين وأشهر المتصوفين ذكرا وحتي اليوم في الشرق والغرب معا.. وبين شمس التبريزي الزاهد الصوفي المتجول بإشراقاته الفطرية.. ساعيا إلي الرومي عالي المكانة.. والمعرفة.. كثير الاتباع والمريدين.. وكيف دخل شمس حياة الآخر فكان له شمسا مشرقة ومرآة حولته فتبعه إلي آخر حياته, حيث قتل شمس حسدا من أتباع الرومي الغيورين. اختارت إليف شافاق- إيرانية الأصل المقيمة بالغرب- تلك الفترة الزمنية( القرن الثالث عشر) بذكاء وفطنة, حيث إنها تتشابه تاريخيا وأحداثا وتوجها بزمننا الحالي وتكاد تتطابق مع ما يحدث فيه من فكر وغزو وحروب.. أخذت من التاريخ وتطلعت إلي المستقبل وأمتعتنا قراءة وفتحت أمامنا النوافذ, بينما سحبنا محمد ربيع كاتب رواية عطارد إلي مستقبل قاتم شكلته له رؤيته الخاصة فدخل بنا في منطقة السحب القاتمة غير الممطرة وظل يدفعنا داخلها حتي كتمت فينا الأنفاس وعلا داخلنا الشعور بالاختناق. قد تفوز روايته بجائزة من ناحية تكنيك الحكي ورحابة الخيال.. لكنها لا تستحق أي جائزة من ناحية رسالة الفن في الحياة. وقد يكون كاتبها مثقفا.. ومجموعة النقاد الذين أعطوه الجائزة من الكبار, ولكن المحصلة النهائية للثقافة لا تمجد القتامة- والقتامة غير الحزن النبيل الذي يتبناه الفن- فالثقافة في حدود الوضع الإنساني والوعي بالتاريخ والقوانين العميقة للحياة توصل في النهاية إلي التفاؤل لا التشاؤم.. فالتشاؤم لن يمنع شروق الشمس ولن يمنع تدفق الزمن.. ولن يغير قانون البقاء ولا عمل المقاومة داخل الخلية الإنسانية الواعية الحية.