كشف مؤتمر القمة العربية في العاصمة الموريتانية نواكشوط الحالة المزرية للعلاقات العربية, والتي بلغت حد تهرب الحكام العرب من اللقاء وجها لوجه, وهو ما دفع المغرب للإعتذار عن استقبال المؤتمر, وأنقذت موريتانيا الموقف, وقبلت باستضافة القمة في اللحظات الأخيرة, وأقامت خيمة لتكون مقر الإنعقاد, وأطلقت علي المؤتمر قمة الأمل في محاولة لإضفاء بعض التفاؤل علي حالة اليأس من تحسن العلاقات العربية. وكما كان متوقعا لم يذهب إلي القمة معظم الحكام العرب, وكان أغلبية الممثلين من وزراء الخارجية, وناقشوا عددا من أوراق العمل التي كانت جميعها محط خلافات, وهو ما اضطرها إلي عدم تبني أي من الأوراق المطروحة, ومحاولة صياغة بيان يرضي الحد الأدني للأطراف, فجاء باهتا وفضفاضا, فعندما قدمت دول خليجية ورقة تتبني اتخاذ موقف متشدد ضد التدخل الإيراني في الشئون الداخلية للبلدان العربية, رفض العراق اعتبار تواجد مستشارين إيرانيين علي أرضه تدخلا, وقال إن إيران تساعد العراق في مواجهة داعش بطلب من الحكومة العراقية, وطلب إدانة وجود قوات تركية قرب الموصل, رغم رفض العراق تواجد قوات برية علي أراضيه, ووصفته بالعدوان الصارخ علي الأراضي العراقية, كما طلبت ليبيا إدانة وجود قوات فرنسية علي أراضيها بدون موافقة الحكومة, وهو ما اضطر المجتمعين المختلفين علي أن يكون النص فضفاضا, بعدم التدخل الأجنبي في شئون المنطقة. هذا النموذج من الخلافات امتد إلي جميع البنود الأخري, ومنها تحديد من يجلس في المقعد السوري الشاغر, فقد رفضت أعداد متزايدة من الدول منح المقعد للمعارضة السورية. كما امتد الخلاف إلي الموقف من المبادرة الفرنسية للسلام مع إسرائيل, والشروط الواجب توافرها في أي مبادرة, حتي لا تتخلي عن الحد الأدني للحقوق الفلسطينية, خاصة المتعلقة بالحدود والقدس وحق العودة. حتي قضية الإرهاب التي يعاني منها معظم الدول العربية كانت مثار خلاف انعكس علي البيان الختامي, الذي أدان الإرهاب في العراق وليبيا, لكنه دعا للحوار في سوريا, حتي يمكن التوصل إلي حل سياسي. ورغم الحديث عن أن قمة نواكشوط تمثل ذروة التشظي العربي, إلا أن الملاحظ أن الصوت القطري قد خفت كثيرا, بعد سنوات من التأثير الكبير علي الجامعة العربية, أعتقد أنها كانت أكثر سوءا من قمة نواكشوط, وهو مؤشر علي تراجع الدور القطري التركي, الذي مني بانتكاسة في الشهور الأخيرة. لقد مرت الجامعة العربية بمراحل وظروف متباينة منذ ظهورها عام1945, أي قبل نشأة الأممالمتحدة, الأولي أثناء احتلال المنطقة, وكانت تحاول بريطانيا استخدامها, وتكريس تبعيتها لبريطانيا وسياساتها, لكن الفترة الناصرية انعكست علي الجامعة, التي أصبحت أكثر جذرية في مواجهة أمريكا وإسرائيل, لكنها انتكست بعد كامب ديفيد والانقسام العربي الناجم عن الإتفاقية, وانتقال مقرها من القاهرة إلي تونس, لتعود ضعيفة ومنكسرة, تكتفي بالادانات والشجب, لتنتقل إلي الاتجاه المعاكس وتصبح تحت النفوذ القطري المدعوم من بعض الدول الخليجية والعربية, وسيكون لنتائج الحروب الأخيرة في سورياوالعراق وليبيا واليمن نتائجها علي مسار الجامعة, التي تعكس الحالة المزرية للعرب, وتكشف مدي تشرذمهم وانقسامهم إلي حد إنفاق المال العربي لتأجيج الحروب الأهلية داخل الدول العربية, بدعم دول إقليمية ودولية. لم تنجح الجامعة في تحقيق الحدود الدنيا من آمال الشعوب العربية, وفشلت حتي في تشجيع المشروعات الاقتصادية, أو تحرير التجارة وانتقال العمالة وحرية التنقل بين مواطني دولها, ونجحت فقط في أن تكون ساحة جديدة للصراع والخلاف وتبادل الإتهامات بين حكوماتها.