فعلا... هناك وزراء يعملون ضد الدولة و النظام, ويزيدون من كراهية المجتمع للحكومة بقراراتهم غير المدروسة, وتصريحاتهم غير المنطقية. وأخص في البداية قرار وزير الأوقاف, بتعميم خطبة الجمعة المكتوبة, وهو قرار عايشت قبحه وانفصاله عن المجتمع يوم الجمعة الماضي, ونحن ننتظر صلاة الجنازة علي اثنين من القرية توفيا في حادث أليم, والكل مشحون ومتأثر, وفوجئنا بخطيب المسجد يتجاهل الحديث عن جلال الموت, والعظة من الحياة, أو حتي الدعاء لهما, ويلتزم بقراءة خطبة الوزير التي تم تسريبهاعلي مواقع التواصل الاجتماعي قبلها ب24ساعة, علي غرار تسريب شاومينج لامتحانات الثانوية العامة, وكانت عن العفة والترفع عن الدنايا!! وهنا أدركت ومعي عشرات المصلين, اننا نعيش زمنا انفرط عقده الديني والأخلاقي وتغيرت منظومته القيمية التي توارثها وألفها علي مر السنين وكانت تحقق له معايشة الأهل والأصدقاء والجيران لأطراحه وافراحه. إن قرار وزير الأوقاف الخطير هو استمرار لسياسة هدم الثوابت, وانعكاس للواقع الأليم الذي نخترعه لتكميم الأفواه,فالارتجال في الخطبة من سمات الأئمة والخطباء, منذ عهدالنبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والأئمة الأعلام إلي يومنا هذا, وأن الإجراء المبتدع سيؤدي إلي تجميد الخطاب الديني وليس تجديده, علاوة علي إهانة وضياع هيبة الدعاة والخطباء, ومحو شخصيتهم وسط جمهورهم. صحيح ان القرار سينهي علي مشكلة ضعف خطبة الأئمة التي انتشرت مؤخرا بسبب المسابقات التي دخل عين فيها البعض بالرشوة والمحسوبية, والسيطرة علي بعض الأئمة التي تتخذ المنابر وسيلة لنشر بعض الأفكار الشاذة التي نهي عنها الدين بغرض خدمة بعض الفصائل السياسية التي تستغل المنابر لنشر أفكارهم وتحقيق رغباتهم,لكنه في نفس الوقت يمثل كبتا لعقول بعض الأئمة التي كانت تعتمد علي طريقة الإلقاء في جذب الناس ولفت انتباههم. وإذا كان النظام يبحث عن توحيد للخطاب الديني, فلدينا ما يصدر عن المنابر الرسمية التي يسيطر عليه ائمة تابعون للاوقاف, وخطاب ديني آخر تابع للحركات الاسلامية, ويتحرك هؤلاء في المساحة التي تركها الخطاب الرسمي.. والاثنان يخضعان لتوجهات خاصة ويتم توظيفهم سياسيا, الأول لحساب الدولة والثاني لصالح التنظيم الحركي, وبين هؤلاء وهؤلاء هناك خطاب ديني مستقل وهو الذي يحاول تحري مراد الشارع وصوت ضمير في مواجهة الحاكم والمحكوم. كما أن كتابة الخطبة تعني تحويل الخطباءلموظفين ينقلون الكلام المكتوب ولا يستطيعون إبراز قدراتهم الشخصية في تغيير مجري الفكر عند الجمهور, لأنه كلما كان الإمام أكثر إقناعا التف الناس حوله وتعلموا منه ووثقوا في آرائه, وهذا هو المسار الذي يخدم قضية تجديد الخطاب الديني..وعكس ذلك فهوإهانة للدعاة الذين تميزوا بالارتجال والفصاحة وأنه يهدف إلي تعبئة العقول بخطاب واحد يزيد من إضعاف دور خريج بلد الأزهر, وبدعة مرذولة ستؤدي إلي قتل الابتكار وتنويع الآراء الفقهية. لقد نسي الوزير أن مشكلتنا مع داعش,أو جماعات السلفيين والإخوان انها تحاول إكراه المجتمعات علي نموذج قيمي محدد وفكرة الاحادية التي هي ضد التنوع.. أما إذا كان يريد ببغاوات فالحل هو الخطيب الآلي الذي اخترعته الإمارات, فتقوم بملء ذاكرته بما تشاء ويخطب بما تشاء, وبهذا ترفع الحرج عن الأئمة والخطباء!! واتساءل... كيف ستتعامل وزارة الأوقاف مع كبار العلماء والأئمة المكفوفين الذين أنار الله بصيرتهم بنور القرآن واجتذبوا قلوب وأسماع المصلين؟ هل نمنعهم من صعود المنابر لعدم استطاعتهم قراءة النص المكتوب الذي شحذت وزارتهم جهودها للإسراع بتعميمه علي المساجد؟ وما فائدة استمرار كليات الشريعة وأصول الدين والدعوة والكليات الشرعية التي تخرج الأئمة, ويقوم أي تلميذ بقراءة نص الخطبة المكتوب؟ إننا بحق نعيش حكايات لا تعد ولا تحصي من المهالك, ومآسي ترتعش لها النفوس, بعدما أضحت أوطاننا تشد الخناق علي أبنائها المخلصين والمجددين, وتضيق عليهم رقعتها,وترمي بهم في غياهب المجاهل وأودية النسيان, وتحرق محارب مساجدها, ولم تعد تحفظ للشيخ وقاره, وللعالم قدره, وللكتاب قدسيته!! وللحديث بقية..