يمكن وصف ما حدث خلال الشهر الكريم رمضان بأنه إعصار يتنافي مع مراعاة المشاعر الإنسانية وخصوصية المريض التي يجب أن تصان وفق الأعراف الطبية المعمول بها في شرق العالم وغربه.. من يتحملون مسئولية حملات جمع التبرعات التي تم استخدام الأطفال مرضي السرطان علي نطاق واسع من خلال كل شاشات التليفزيون المصري كان عليهم أن يراعوا حقوق المرضي وعلي رأسها الحق في الخصوصية.. يعلم الأطباء الذي درسوا وعملوا في مستشفيات انجلترا وفرنسا وكندا والولايات المتحدة أنه لا يمكن إفشاء حالة المريض الصحية الا بموافقته وفي حالة الأطفال تحت18 سنة لا يحق لكائن من كان أن يكشف عن معاناتهم بحجة جمع تبرعات ومن خلال ابتزاز مشاعر الناس والضغط علي أعصابهم. لا أحد يعترض علي المهمة النبيلة للطب وهي علاج الأفراد من ذلك المرض اللعين في ظل نظام صحي منهار تقريبا.. الشعار المرفوع: دخول المستشفيات سهل.. الخروج منها صعب جدا وعواقبه وخيمة. لقد صدمت مشاعر المشاهدين صور أطفال يعانون من السرطان تطل عليهم كل دقيقة بعد الإفطار وقبله.. في وقت كان يمكن الترويج لحملة التبرعات بدون استخدام الأطفال في الحملة.. هذا يفتح علي نطاق واسع المسئولية القانونية والأخلاقية لحملات التبرعات في مصر والتي تشمل الجميع.. كيف يتم جمع التبرعات؟..كيف يتم إنفاق هذه الأموال الطائلة؟..أين تقارير مراقبي الحسابات السنوية لمستشفي الأطفال57357 وغيرها؟..كم يتم الانفاق سنويا علي الأطباء؟..هل يعملون بشكل طوعي أم يتقاضون أموالا؟..كم يحصل مدير المستشفي ومجلس الإدارة؟ هذا الكلام ينطبق علي الجميع رغم أن كل الجمعيات الأهلية أو معظمها تخضع لرقابة وزارة التضامن الاجتماعي لكن أنا أتحدث عن رقابة المجتمع والرأي العام والمتبرعين الذين يرغبون في معرفة أين تنفق أموالهم. من بين الأسئلة المطروحة: لماذا امتنع البنك الأهلي المصري عن قبول تبرعات لمؤسسة مجدي يعقوب لعلاج مرضي القلب بشهادة الشهود؟ هل هناك تمييز ديني في الموضوع؟ الا يجوز التبرع لمؤسسة تلعب دورا بالغ الأهمية لعلاج مرضي القلب وتتسم بالشفافية لمجرد أن الرجل النبيل الذي يقف ورائها قبطي مسيحي؟..وهل يجوز التبرع للمؤسسة في أشهر أخري غير رمضان؟ لقد بحثت طويلا عن الرقم الذي تتلقاه مستشفي57357 سنويا فلم أجده..لم أجد ميزانية منشورة لكي يسهل لنا قراءتها والتعرف علي أوجه انفاق المستشفي وغيرها..ان أعدادا كبيرا من الشخصيات العامة والفنانين والنجوم لم تتردد لحظة واحدة في المشاركة بشكل مجاني للاعلان عن نبل المقصد وراء التبرعات لكن أليس من حق المجتمع أن يعرف. لقد غابت قيم الشفافية والمحاسبية عن أداء كثير من مؤسساتنا وأصبح من حقنا أن نعلم ليس باعتبارنا صحفيين وكتابا ولكن باعتبارنا وسطاء بين المؤسسات والشعب. لقد اكتشفت أن مؤسسة بنك الطعام تنشر تقريرها المالي السنوي وهو متاح فقط حتي عام2014 ولا أدري لماذا لم يتم نشر تقارير2015 حتي الآن من خلال مؤسسة أرنست أند يونج للمحاسبات. الأمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب رد علي التساؤلات بشأن التبرعات التي تذهب إلي الأزهر في تصريح نشرته أخبار اليوم2 يونيو الماضي قال:تكاليف مشروعات التبرعات لا يدخل قرش منها في ميزانية الأزهر. ثقافة التبرع والعمل الأهلي عمل محمود..نحن في حاجة إلي تنمية عمل الجمعيات الأهلية كما يحدث في الغرب..الدولة لن تتمكن من إنجاز كل شئ والجمعياتغير الحكومية تلعب أدوارا مهمة اليوم في التنمية..ليس الهدف من مقالنا هدم نشاط التبرع ولكن بناء ثقافة الشفافية والمحاسبية وأعتقد أنها تتفق مع فكرة القانون والأخلاق والأديان.