حول التغيرات التي طرأت علي أخلاق الناس وأسبابها وطرق علاجها, والمفاهيم المغلوطة في أذهان الشباب والحاجة إلي خطاب جديد معهم, وما يجب أن يتوافر في المجدد, وكيفية تناوله للثوابت والمتغيرات, وأنماط التفكير التي تحكم العقل المعاصر. وهل تستدعي إعادة نظر, والخلل بين قضايا العقيدة وتطبيقها, والرد علي الشبهات حول القيم الكبري في الإسلام, والاستنباط في الدين, والفرق بين علم الكلام والفلسفة, سلسلة قضايا متعددة ومترابطة في آن واحد- حملناها وطرحناها علي الدكتور عبدالحميد مدكور أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.. محصلة اللقاء في الأسطر التالية. تغيرات ظاهرة طرأت علي أخلاق الناس.. أين تكمن العلة وأسبابها.. وما طرق العلاج؟ التحدث عن انهيار الأخلاق بهذه الصيغة مبالغة كبيرة لأن انهيار الاخلاق يساوي انهيار المجتمع وسقوطه ولكننا نلاحظ أن هناك تغيرات في أخلاق الناس نتيجة عادات نشأ الناس عليها أو كانوا ينشأون عليها فأصبح التمسك بهذه الأخلاقيات صعبا لأسباب عدة منها ضعف الإيمان وهو الذي يؤدي إلي عدم الانضباط, كا يرجع هذا أيضا إلي قلة تناول مسألة الأخلاق في المناهج التعليمية أو في الأواسط الاجتماعية نتيجة ما أصاب الأسرة نفسها من تفكك نتيجة انشغالها عن تربية الأبناء التربية الصالحة, كما أنه قد لايوجد في نفوس الآباء النموذج التعليمي الذي يقتدي به, ومن هنا فالجانب الاجتماعي والاقتصادي له أثر في هذه العملية, كما أن غياب منطق الثواب والعقاب له دور كبير في تنامي المشكلة, فحينما يكافأ الذي يحسن في جانبه العلمي والأخلاقي ويعاقب الذي يخالف تنضبط الأمور, ولدينا مسالة في غاية الأهمية أيضا أثرت كثيرا فيما نعانيه اليوم وهي الانفتاح علي العالم في عصرنا الحالي والتي جعل المجتمعات الإنسانية تعيش كأنها مجتمع واحد وتعمل علي تقارب أخلاقهم رغم أن كل مجتمع يختلف عن الآخر في الأخلاق والأديان. ونحن جميعا مكلفون بأن نلاحظ هذه التغيرات في المجتمع وكذلك أخلاقياته وأن نتخلص من أي آثار سلبية أو خطيرة والمجتمع بدون أخلاق لابد وأن يعاني من مشكلات نفسية واجتماعية واقتصادية خطيرة لأن مجتمعا بدون أخلاق سيعيش في تخلف وانحطاط. هل نحن في حاجة إلي ثورة لتصحيح المفاهيم المغلوطة في أذهان الشباب.. وإذا كانت المفاهيم تحتاج إلي تجديد فما هي الشروط الواجب توافرها في المجدد؟ أنا لا أحب استعمال كلمة ثورة ولكننا يجب أن نعمل علي تخطيط مستمر لمواجهة المشكلات الاجتماعية التي يستشعر الناس آثارها وتصحيح المفاهيم لدي الشباب وتصحيح الوجهة والقبلة التي يجب أن يقصدها الناس لكي يكون مجتمعا ساعيا إلي الخير, وإذا كنا نتحدث عن تخطيط لمعالجة ظروف المجتمع فإنه يجب أن يكون التخطيط أخلاقيا وتربويا داخل المناهج التعليمية, ويكون هناك مثال يحتذي به ويري الشباب سلوكه فيتأثروا به وتترسخ في نفوسهم وأذهانهم وتمتزج بمشاعرهم علي المدي البعيد فيرقي المجتمع. ونحن نحتاج إلي المجددين في جميع الأمور الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية, الذين يتحملون هذه المسئولية ويشترط في المجدد هذا أن يكون علي علم بما يتعرض له وعليه أن يكون من أهل الإخلاص حتي يحقق التجديد المرجو, وأن يكون ذا نفس طويل حتي يستمر في التجديد وأن يتحلي بالصبر والتكامل حتي نصل إلي الغاية التي يرتجيها المجتمع. حتي الآن لا يوجد مفهوم واضح ومحدد لتجديد الخطاب الديني.. كيف يمكن لنا معالجة كل من الثوابت والمتغيرات وفق ما تقتضيه قضية التجديد؟ لدينا قضايا تعد من الثوابت وأخري من بالمتغيرات, فأما المرتبطة بالثوابت فيجب الحرص عليها وحسن تقديمها للذين يعيشون في ظلها وبيان المبررات التي تدعونا إلي الحفاظ علي الثوابت والتي تتعلق بهوية الأمة وشخصيتها وأخلاقياتها والطرق الرشيدة التي تعمل علي الحفاظ عليها واستمرارها, لكن هناك أمورا متغيرة مثل أن نقارن بين المجتمع الآن ومن قبل فسنجد نقلة كبيرة في المجتمع بما يتعلق بظروف الناس لذلك يجب أن تتوافق تلك المتغيرات وتتكامل مع الثوابت وتتنوع تبعا للثوابت, والاختلاف مع هذه الثوابت سيعقبه تغير في حياة الناس, ولكن إذا كانت متناسقة معها فسيؤدي إلي تقبل الناس لها مثلما نتحدث عن عمليات نقل الدم, فإننا لانستطيع نقل أي فصيلة ومن هنا فإنه لن يكون ما يأتي من المجتمعات الأخري متفقا مع الأصل والتراث وإلا أدي إلي إضعاف البنية لهذا المجتمع. هل يجب علينا إعادة النظر في أنماط التفكير التي تحكم العقل المعاصر؟ العقل المعاصر عقل يقوم بواجبه في التوجيه الصحيح الذي لا يختلف مع الثوابت لكنه إذا كان سيأخذ قيما لا تتفق مع مجتمعاتنا فإن هذا العقل سيكون حاملا لمخلفات الحضارات الأخري ومتأثرا بروافدها, فكل حضارة لها قيمها وثوابتها وطرق تجديدها فلا يمكن أن تستنبط في حضارات أخري. إذن فعلينا أن نتحدث عن طبيعة العقل الذي نسعي إلي تطوير طريقة تفكيره لكي نختار من هذه الأمور مايجعل العقل مؤديا للبناء والتطوير, ومن هنا فإن المسألة تتعلق بالظروف التي يحيا فيها ذلك العقل المعاصر وبالغايات التي نرجوها من ذلك العقل حتي لا يكون تفكيره خارجا عن السياق فيسير في طريق الرشاد حتي نصل إلي مايمكن أن يكون فيه الخير. ألا ترون أن هناك خللا بين قضايا العقيدة وتطبيقها؟ هناك ارتباط شديد بين العمل والعقيدة والفصل بينهما كالفصل بين أشياء يجب أن تكون متماسكة ولهذا أي مجتمع لا يطبق قواعد اعتقاده في عمله تظهر به العيوب والسيئات والآثام الذميمة, وهذا الخلل قديم ظهر في مجتمعات قديمة وأدي إلي ظهور أخطاء ومعاص وسلبيات كثيرة ومن هنا فإن الأمر ليس جديدا لكن المشكلة التي تتعلق بالعصر الحديث هي ان المسافة التي بين الاعتقاد والتطبيقات المتعلقة به أصبحت بعيدة, وعلي الناس أن تراجع أنفسها حتي تقترب منها مرة أخري, لأن هناك ارتباطا بينهما, وعلي سبيل المثال يقول الرسول صلي الله عليه وسلم لا إيمان لمن لا أمانة له وأيضا يقوم الرسول الكريم لا دين لمن لاعهد له ومن ينفصل باعتقاده عن عمله يوجد سيئات كبيرة تؤثر في مصير الإنسان, ولهذا لابد أن يكون هناك فهم واع لهذه القضية فالتقصير في تطبيق المعتقدات يؤدي إلي عقيدة جوفاء لا تثمر ولا تنتج كالشجرة التي لا يستظل تحتها ولا تثمر وجذورها غير موجودة, ولهذا كثرت أحاديث الرسول الكريم الداعية لحسن معاملة المسلم وتطبيق الإسلام ميدانيا وحياتيا والله لايؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن.. قالوا من يارسول الله قال من لا يأمن جاره بوائقه وقال في حديث آخر لا يدخل الجنة من بات شبعان وجاره جائع. كيف نرد الشبهات حول القيم الكبري في الإسلام؟ حرص الإسلام علي القيم التي دعا إلي وجودها وفرضها مثل العدل والتعاون والصدق والأمانة.. إلخ وأن تطبق واقعيا في حياتنا الملموسة حتي يتحقق الإسلام كاملا في حياتنا وبمنظورنا إلي هذه الأخلاقيات والتي قال عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فهي تدل علي شدة ارتباطهما بصميم الإسلام, فالإيمان لن يكتمل إلا بها.. وبالتطبيق الذي يحقق للناس اقتناعا وحضورا في أذهانهم وضرورة الاهتمام بها وبثها في النطاق الاجتماعي وإذا اتضحت هذه القيم وآثارها فإننا بذلك نستطيع أن نرد علي أي شبهة توجه نحو احترام الإسلام للإنسان ومن خلال ذلك لا يمكن الشك مثلا في العدل في الإسلام حيث إننا نعلم أن الله هو العدل وأن الله حرم الظلم وأنه أنزل الأنبياء بما معهم من كتب لذلك, وبذلك نقول إن الظلم الذي يتعرض له الإنسان لا يجب أن ينسب إلي الإسلام وإنما إلي من يسيئون فهم الإسلام. فهم الشبهات حول القيم الكبري في الإسلام.. لمن؟ لاحظنا كثيرا الفوضي التي خلفها من يسيئون فهم الدين ويتحدثون عنه ولا تتحقق فيهم القدرة علي الاستنباط فلو اتبعوا قول الله عز وجل( ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) أي أهل الفقه والعلماء والاجتهاد وهذه المسألة يجب أولا تحديدها بوضوح وألا يتم سؤال من لا تتوافر فيه هذه الشروط ومن حيث المبدأ, فلا نسمح لمن لا يفهم هذا الدين أن يتحدث فيه, فمن لا يحسن الطب مثلا يجب ألا يعمل في نطاق الأطباء, فهي تخصصات وأهل الذكر في كل تخصص هم من لهم الحديث عن تخصصهم والدين له من تخصص بدراسته ومن يريد الفقه والقدرة علي الاستباط والفتوي عليه أن يعرف اللغة العربية والعلم بالقرآن الكريم والسنة وأن يعرف اجتهادات العلماء في المسائل الدينية والمعرفة الجيدة بأصول الفقه ويجب أن يعرف فقه الواقع وكيفية تطبيق أحكام الله تعالي في حياتنا اليومية ويجب أن يكون لديه ورع حتي يقدر علي استنباط الأحكام ويكون له رأي مستقل صحيح. ما الفرق بين علم الكلام والفلسفة؟ علم الكلام عليه أن ينسق بين دلالات العقل وبين الدلالات القرآنية بحيث لا يستعلي عليها وأن يجعل نفسه في خدمتها وفي إقناع الناس بصحة العقائد الإسلامية وهذا هو الهدف عقل مستهد لنور العقيدة الصحيحة وأيضا علم الكلام ينطلق من نص يسعي إلي تحقيقه, وهذا من الفروق بين علم الكلام والفلسفة حيث إن الفلسفة ليست لديها أية مسلمات بينما علم الكلام يؤمن بمسلمات مثل الإيمان بوجود الله عز وجل.. ولكن يجتهد في الإقناع من خلال الأدلة القرآنية والسنة النبوية الشريفة والخبرة الإنسانية والعلم, فعلم الكلام الآن يستخدم نتائج العلم الحديثة في العقائد الإسلامية وهذا هو عقل علم الكلام أما عقل الفلسفة فهو عقل طليق. هل في علم الكلام أو الفلسفة ما يشوبهما من حرمة؟ قد يشوبهما وقد لا يشوبهما تبعا للوظيفة التي يؤديها أي علم فمثلا إذا كانت الوظيفة هي تثبيت العقائد وانتهت الآراء الكلامية أو الفلسفية إلي مضمون النصوص الشرعية المسلم بها فهذا مباح ليس محرما, أما إذا خالفت ما نصت عليه النصوص والسنة النبوية من أصول الدين فهذه حرمة كبيرة, أو بمعني آخر عندما يؤدي إلي الشك وهذا ما نوه إليه الإمام أبو حامدالغزالي رضي الله عنه في كتابه( المنقذ من الضلال) وانتهي به الأمر إلي تكفير الفلاسفة في بعض المسائل لأنهم أبدوا رأيهم وكانوا علي خطأ وكفرهم لذلك. الفرق بين الفكر الإسلامي عموما وبين الفلسفة؟ الفكر الإسلامي هو كل فكر منبثق من القرآن الكريم والسنة المشرفة فهو بذلك جهد بشري قابل لأن يصيب وأن يخيب, مثل فكر الإمام محمد عبده والإمام محمد إقبال وغيرهما, أما الفلسفة فهي لا توقف علي مصدر واحد بل اثنين, العقل الإنساني والنص الذي يسعي إلي إثباته.