ولكن.. إذا كان الصباح علي مصر بجنيه أصبح فارقا في ظل الأزمة الاقتصادية التي نمر بها فإن هذا يجعلنا نتوقف قليلا أمام بعض الأرقام الضخمة التي تتبدد بفعل الكثير من الشطحات التي تطل بها علينا بعض الرؤوس المحسوبة علينا وعلي المحروسة. ولأن المسارعة بالتكبير خلف الكبار ومباركة أفكارهم من الحاشية المستأنسة مما يجعل منه ما يري في نفسه العبقري اوحد الذي جاد به الزمان علي هذه الوزارة او تلك الهيئة; وإلا ما كان القدر ليهديه مفاتيح ميزانية بالملايين وحرية في تطبيق أفكار ورؤية سعادته. ولا يهم ان تخضع خطته ي منهج علمي في البحث والدراسة والتقييم.. فهم غالبا ممن يحملون الدكتوراه والدرجات العلمية علي اكتافهم وليس في رؤوسهم. والدراسات المتعمقة للمشروعات لا تتم في الحكومات المتمكنة أمثالنا ولكنه يحدث علي مستوي القطاع الخاص الذي يسيطر عليه الخوف من الفشل والخسارة فيعيد حساباته ويدرسها; أما الحكومة فهي اكبر من هذا الهراء واقوي من تلك المخاوف.. فهي مقدامة ومؤمنة بالقضاء والقدر أو إلباس الفشل بعدا فلسفيا جديدا يري من خلاله ان الطرق الوعرة لها الفضل في منع الحوادث التي قد تسببها السرعة في الطرق الممهدة! وأحد تلك الأفكار التي هبطت علينا بعنوان براق ينقلك فجأة وبدون سابق انذار من كفر أبو أتاتة الي اليابان رأسا ويتعافي التعليم المريض فجأة في محافظات حدودية وفي مدارس تجوز عليها الصدقة وينتقل إلي آفاق التكنولوجيا والتعليم الالكتروني والسبورة الذكية وتابلت لكل طالب ومعلم. وتنتقل من مرحلة التعليم التلقيني الي التعليم التفاعلي وأنت مستلق علي ظهرك بالمنزل والمدرس وقد أغلق سنتر الدروس الخصوصية ويتواصل معك ويصحح لك الواجب الكترونيا عن طريق شبكة انترنت في المنزل والمدرسة وإلا ما جدوي التابلت دون تجهيزات تكنولوجية للاتصالات وكانت اي اسطوانة سي دي لكل مادة كافية وتوفر الملايين علي الدولة. وهذا المشروع الذي بدأ منذ ثلاث سنوات وتكلف ما يقرب من400 مليون جنيه كمرحلة أولي لمحاربة الكتاب المدرسي لطلبة المرحلة الثانوية والقضاء عليه, حيث يكلف الدولة لطباعته ما يقرب من مليار جنيه متجاهلين ان الكتاب المدرسي مقضي عليه بالفعل والطالب يستعين بالكتب الخارجية وملازم الدروس الخصوصية. والمفارقة انه رغم ذلك فقد تم طباعة كتب مدرسية وتسليمها للطلبة الذين صرخوا من وقوع السيستم من التابلت وأعطاله وعدم استخدامه للدراسة. وبطبيعة التابلت الرقيقة لم يستطع تحمل المناهج الدراسية والصمود أمام تحديات الأولاد في تحميل الأغاني والألعاب وإهماله بعد تكبد مصاريف الإصلاح والصيانة. كما ان المدرسين لم يلجأوا إليه إما لأنهم لم يتم تدريبهم علي استخدامه في التعليم التفاعلي او لأنهم لم يتسلموه. أما أولياء الأمور حقل التجارب الأول والأخير وضحايا أفكار وزارة التربية والتعليم فقد وقعوا علي تعهدات صارمة بتسليم المدعو تابلت بعد مرور الثلاث سنوات بحالة جيدة وبدون أعطال ومبلغ محترم تعويضا عنه في حالة فقده أو إتلافه فهو عهدة حكومية في رقبة الطالب سنوات يكون قد عفا عليه الزمن وأصبح في عرف التقدم التكنولوجي من اثار. ويبدو ان هؤلاء التقدميين سابقي زمانهم وجدوا ان قصة التعليم في مصر انه غير إليكتروني ولأنها قصة دون أي مضمون فقد سارعوا بأخذ اللقطة وتحولت القضية إلي بضعة مناظر وشو إعلامي وتصدير صور للجهات المانحة وللجهات العليا أنهم يقومون بنقل مصر نقلة حضارية دون ركوب آلة الزمن.. فهل يتوقف هذا العبث إلي حين؟