اعتذر لشعب مصر باسم مفكري مصر ومثقفيهم عن كل ما اتهمناه به من خضوع واستكانة, اعتذر لشعب مصر الذي لطالما قلنا انه قد سكن ووجد لنفسه في الدين والجماعات الإسلامية, الاستهلاك والسوبر ماركت, المولات وكرة القدم ابوابا خلفية ينفس فيها عن مكبوتاته واتهمنا انفسنا بأكثر مما يجب دون ان ندري بأن هناك نارا تحت الهشيم ولم ندرك ان الشباب قد تجاوز كل تحليلاتنا واننا كنا نحكم علي الظاهر نحن أهل الباطن. هكذا اراد صاحب سلسلة من العقيدة إلي الثورة الدكتور حسن حنفي ان يبدأ حديثه في ندوة الفلسفة والثورة التي عقدت بمقر الجمعية الفلسفية الأحد الماضي بالاعتذار الذي سجله في مقال مطول بموقع حكمة الالكتروني عنونها بعذرا شعب مصر عن الصورة التي رسمها المثقفون للمجتمع المصري الذي خالف توقعاتهم وتجاوز كل تحليلاتهم. يقول: د. حسن حنفي كنانسمي جيل الثورة, ثورة يوليو وعشنا ستين عاما لنشهد ثورة جديدة تعيد مصر إلي مسارها الصحيح من جديد, فحين تستيقظ مصر يستيقظ العالم العربي وحين تسقط يسقط العالم العربي معها وما حدث للعراق وفلسطين واليمن والصومال كان في وقت ضعف مصر ووهنها في ظل انحرافها عن مسارها وانخراطها في مشاريع اخري افقدتنا احترامنا لانفسنا واحترام العالم لنا. عظمة الثورة المصرية انها ركزت علي الداخل رغم ان الخارج كان حاضرا في الذهن ايضا ويؤكد صاحب التراث والتجديد انه وباعتباره مفكرا يضع نصب عينيه سؤالا اساسيا وهو لماذا لم يظهر لفظ الثورة في تراثنا القديم فلفظ الثورة ليس لفظا قرآنيا أوتراثيا, لدينا مفاهيم مثل الخروج علي الحاكم ولكنه لفظ مختف ومشبوه فاستعماله يكون لقمع واخماد الثورات باسم الدين ولفظة الجهاد وهي لفظة اصبحت مشبوهة ايضا, والسؤال الآن هو كيف يمكننا ان نحفر في تراثنا القديم الذي يمدنا بمفاهيمنا حتي الآن الفاظا ورثناها حتي لا تطغي علينا المفاهيم الغربية او كيف يمكن ان نؤصل لمفهوم الثورة في تراثنا القديم, فما يميز جيلنا هو انه جيل الثورة والمقاومة وايا من اللفظتين ليس لفظا تراثيا ولا قرآنيا. د. حسن حنفي أحد اهم اساتذة الفلسفة في الوطن العربي يعرف بقدرته الفائقة علي التنظير واتساع ابعاد التحليل واستعمال التقنيات الفلسفية الشائكة التي تجلت في مشروعه التراث والتجديد الذي يعد واحدا من اكثر المشروعات الفكرية العربية غناء وثراء ويحاول فيه ان يقوم بتثوير التراث بمعني تحويل التراث إلي الاهتمام بواقع الإنسان وقضاياه المعاصرة والتحول بالتراث من البحث في الغيبيات إلي مايسميه بلاهوت الأرض الذي يبدأ الإصلاح فيه بتحرير الأرض أولا معتمدا علي معادلة التنوير قبل التثوير مثله في ذلك مثل باقي المشاريع العربية وهي المعادلة التي اثارت حولها الأحداث الأخيرة في مصر تساؤلات عديدة. وأضاف د. حنفي ان مايسترعي الانتباه فيما حدث هو هذا الإبداع الثوري من جيل لم يترب من خلال احزاب المعارضة واختار شق طريقه خارجها وشدد حنفي علي ضروري تجنب اي تعارض بين الثورة والجيش الذي يضم تيارات محافظة كثيرة لا يعجبها ما يحدث في التحرير ولكنه اختار رغم ذلك الانحياز للثورة. وبخصوص الدعوات التي تستعجل الاصلاحات الجذرية والدعوات التي تفضل الإصلاح التدريجي في اشارة للجدل بين المؤيدين للتعديلات الدستورية والمطالبين بتغيير الدستور بالكامل قال د. حنفي ان هناك اشكالا بين المنهج الإصلاحي الذي يري حل الأمور تدريجيا وببطيء ومنهج الحلول السريعة وقال أنه لا حل لذلك الإشكال ولكن الاختيار يكون في هذه الحالة حسب الامكانات المتاحة. وفي نفس السياق يقول الدكتور علي مبروك استاذ الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام بجامعة القاهرة ان بداية المسار فيما حدث في مصر يعود إلي عام1805 حيث شهدت القاهرة القديمة ثورة كثورة ميدان التحرير, ثورة قامت لخلع حاكم( خورشيد باشا) وتوليه حاكم آخر( محمد علي) بشروط الشعب وهوالأمر الذي لم ينجح فيه الشعب حينها حيث فرض محمد علي شروطه هو لأن الشعب فشل في تأسيس شروطة بشكل صحيح وهو مايخشي د. علي مبروك ان يحدث مجددا في مصر مؤكدا أن مايجب ان يحدث هو تأسيس لشروط الحكم وهي ليست فقط مجرد الابنية الدستورية والتشريعية ولكنه تأسيس جيد للشرط المعرفي واضعين في الأذهان ان ما حدث عام1805 نشأت منه الدولة المصرية الحديثة التي تسود العالم العربي حتي الآن. تجربة الحداثة التي سادت في هذه الدولة كان يتم تقاذفها دائما بين جنرال او باشا وكان المجتمع دائما مستبعدا من تلك اللعبة هكذا يلخص د. علي مبروك تجربة تداول السلطة في الدولة المصرية الحديثة خلال القرنين الماضيين حيث تم اقصاء الأفراد من حسابات رجال السلطة وهو ما يخشي أن يحدث مجددا. والحل يمكن في رأيه في أن تقوم الفلسفة بدورها المنوطة به فهي علي حد قوله مدعوة إلي القيام بتأسيس نظري للحدث الذي تجري وقائعه في مصر كل يوم الآن, وإلا فإننا سنعيد انتاج النظام القديم في حلل جديدة, ويتابع قائلا ان الثورة المصرية تقول إن التثوير هو مايقود للتنوير وليس العكس لذلك علي الفلسفة ان تقوم بدورها التنويري لبلورة فعل تأسيسي للحدث المصري, وإلا فاننا سنظل داخل اللعبة بين الجنرال والباشا. العلاقة بين الفلسفة العربية متمثلة في المشاريع العربية الفكرية والثورة ضعيفة للغاية, انها لا تكاد تري حتي هكذا رأي كريم الصياد المعيد بقسم الفلسفة بجامعة القاهرة فالمشاريع الفكرية العربية بالنسبة له تأسست في واقع مختلف سياسيا وايديولوجيا واجتماعيا وكانت المعادلة الاساسية فيها هي ان التثوير يؤدي إلي التنوير وهي المعادلة التي ثبت انها مخترقة بعاملين اولهما الظلم والفقر وضياع الكرامة بالإضافة إلي ثورة المعلومات التي لم تمنح لهذا الشعب المعلومات ولكنها منحته الثورة بمعني انها لم تعط الشباب وعيا ولكنها اعطته القدرة علي التنظيم الميداني, فبمجرد ضغطة يمكنك ان تكون ايفينت علي الفيس بوك تدعو إليه مئات او ربما آلاف الاشخاص الذين لا تعرفهم وتنزل معهم كأنك واحد منهم وفي ظل عدم معرفة القائد في تلك الحالة حافظت الثورة علي عدم مركزية القيادة فيها وكان هذا عامل نجاح مهما ولم ترهن القيادة بالوجود في الميدان فالمفكر العربي عزمي بشارة الذي استطاع ان يواكب الحدث ويوجهه وتمكن من نقد الخطاب الإعلامي بشكل فوري من قناة الجزيرة وأصبحت متابعته فرض عين علي كل المتظاهرين. ويضيف كريم ان ثورة المعلومات ووسائل الإعلام اعادت تأسيس المجال العام الذي جرفته السياسة المصرية علي مدار عقود, ويفسر كريم الصياد التعاطف الشعبي مع الخطاب الثاني للرئيس السابق بقصور شديد في مفاهيم الحق العام والوعي القانوني لدي الناس الذين نسي بعضهم دماء الشهداء لمجرد خطاب عاطفي وغفلوا عن الوعي القانوني.