السلام جزء لا يتجزأ من الإسلام بل هو الغاية التي ينشدها بين البشرية من نشر الأمن والأمان والطمأنينة في المجتمع انطلاقا من مبدأ أن السلام يحتوي علي أمن الناس وسعادتهم, فكان البيان الذي ألقاه الرسول عليه الصلاة والسلام عقب دخول المدينةالمنورة رغم اختلاف الملل والأديان بقوله صلي الله عليه وسلم: أيها الناس أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وصلوا بالليل والناس نيام, تدخلوا الجنة بسلام, فالخطاب للناس كافة, ثم فضل من سبق غيره في إقامة السلام, بقوله صلي الله عليه وسلم: إن أولي الناس بالله وبرسوله الذي بدأهم بالسلام, والمتأمل في الدين الإسلامي يجد أنه قد دعا أتباعه إلي السلم والامن والأمان ليس مع المسلمين فحسب بل مع الناس كافة وحذر من كل ما يسلب هذه النعم, فقال النبي- صلي الله عليه وسلم-: ليس المؤمن بالطعان, ولا اللعان, ولا الفاحش ولا البذيء, ليس المسلم بلعان يطارد الناس بلعناته ولا طعان يطعن الناس بسلاحه أو بلسانه في أشخاصهم وأعراضهم أو في سيرهم أوالفاحش لأن الكلمة الفاحشة تنقص الإسلام وتحط بصاحبها درجة فإذا كانت الكلمة الطيبة صدقة فالكلمة الخبيثة أو الفاحشة سيئة فلا يتكلم كلاما بذيئا وفاحشا أمام الأطفال أو النساء أو الفتيات فهناك مفردات ترفضها ألسنة المسلمين كالتنابذ والتلاعن وأكل سير الناس فهذا ليس من الاسلام في شيء فالبذاءة ليست من الايمان والتطاول علي الناس ليس من الإيمان ولذلك حذر الإسلام من أن يصل لسان الشخص لدرجة يخشاه الناس من أن يلفحهم به فتلك درجة يجب ألا يصل المسلم إليها. وحول قيمة السلام في الإسلام وأثره في حياة المجتمع في البداية يوضح الدكتور أشرف فهمي مدير عام المتابعة بوزارة الأوقاف أن لفظ الإسلام مشتق من السلام, والمتأمل في أحكام دين الإسلام يراه أحق العقائد والدعوات بأن يسمي دين السلام, لأن نور السلام يشع في أوامره, ونواهيهيشع في مظهره ومخبره, وفي عباداته ومعاملاته, وفي أقواله وأفعاله لدرجة أن الإسلام أمر أتباعه بنشر السلام فيما بينهم بل فيما بينهم وبين الناس جميعا فقال تعالي: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. ولقد كثرت الأحاديث النبوية الشريفة التي أمرت المسلمين أن يستشعروا روح السلام في أنفسهم, وفي معاملاتهم لغيرهم, فلا يكون منهم إلي غيرهم أذي أو اعتداء ولقد كان من الدعوات التي حرص نبينا محمد( صلي الله عليه وسلم) علي الإكثار منها قوله تعالي: اللهم أنت السلام, ومنك السلام, فحينا ربنا بالسلام وطلب كثير من الأنبياء والمرسلين من الله نعمة الأمن والأمان فاستجاب الله لهم ومنهم سيدنا إبراهيم عليه السلام وهذا واضح في قوله تعالي: رب اجعل هذا بلدا آمنا, وسيدنا يوسف اهتم بنشر نعمة السلم والأمان وهذا واضح عندما استقبل أبويه وإخوته علي مشارف مصر قال الله تعالي: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ولكي يثبت الإسلام نعمة السلم والسلام بين الناس جميعا, ويزيد من رسوخها ومن غرس روحها في النفوس والقلوب والعواطف, شرع العقوبات العادلة الرادعة التي متي طبقت تطبيقا سليما سادت هذه النعمة بين الناس باعتبار أن نعمة الأمان والسلام من أجل النعم وأجملها وأعظمها, وما حافظ عليها قوم إلا وعمهم الخير والبر والاستقرار, فالسلام من الإسلام, والأمان من الإيمان, وقد أمرنا الإسلام وشريعته الغراء بأن نقول للناس حسنا, وأن نعمل بكل وسيلة علي أن نكون من الذين يستجيبون لقول الرسول( صلي الله عليه وسلم): أفشوا السلام بينكم. ويضيف الدكتور عاصم قبيصي مدير عام المساجد الأهلية اإن السلام هو هدف الإسلام وغايته في الأرض ولايتحقق السلام في مضمونه العملي إلا اذا قامعلي أساس من مبدأ العدل والمساواة, والحرية للجميع, بعيدا عن الأطماع البشرية ولا يسمي السلام سلاما إذا كان لمصلحة طرف دون الآخر, فيكون ظلما ولذلك قال الله تعالي: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله إنه هو السميع العليم ولهذا كان السلام جزءا لا يتجزأ من الإسلام وغايته التي ينشدهالتأمين البشرية من الخوف ونشر الأمن والأمان والطمأنينة في المجتمع, حيث قال تعالي ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين. وقد أرسي الإسلام قواعد السلام في المجتمع من خلال معالجته مفهوم السلام العام وفق معاني الإسلام والتي تقوم علي الإيمان بالله تعالي وحده ومن هنا جاءت دعوة الإسلام إلي السلام والتسامح ونبذ العنف والتطرف من المجتمع في كثير من آيات القرآن الكريم التي حضت علي الدخول في السلم, لقوله تعالي( ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) وقوله تعالي( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون, وقوله ايضا( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم إن الله يحب المقسطين). كما أشارت السنة النبوية الشريفة إلي أهمية السلام وبث الأمن والطمانينة والمتأمل فيها يجد أن دعوة النبي صلي الله عليه وسلم قامت علي السلام, فلم يكن نبينا صلي الله عليه وسلم يدعو إلي الحرب, ولا إلي العنف ولا القتل ولا إلي التخريب ولا إلي المخاصمة, والتنازع, ولا إلي التشاجر, بل كان يدعو إلي السلام, ويهدي الناس إليه ويدلهم عليه, لقوله صلي الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم, لا يظلمه, ولا يسلمه, وقوله أيضا: لا تحاسدوا, ولا تناجشوا, ولا تباغضوا, ولا تدابروا, ولا يبع بعضكم علي بيع بعض, وكونوا عباد الله إخوانا, المسلم أخو المسلم, لا يظلمه, ولا يخذله, ولا يحقره, التقوي هاهنا- ويشير إلي صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم, كل المسلم علي المسلم حرام: دمه, وماله, وعرضه مما يدل علي السلام والمسالمة, والمصالحة بين الناس وحديث النبي صلي الله عليه وسلم: من أصبح آمنا في سربه, معافي في جسده, عنده قوت يومه; فكأنما حيزت له الدنيا يؤكد أن الإنسان لا يكون سعيدا في هذه الدنيا إلا بالسلام ولهذا حذر النبي صلي الله عليه وسلم من عقوبة الظلم في قوله صلي الله عليه وسلم:( من ظلم معاهدا أو انتقضه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة). وأمر صلوات الله عليه وسلامه ألا يجبر أحد من أهل الكتاب علي ترك دينه فقد كتب الي عامل له في اليمن يقول له:( من كان علي يهودية أو نصرانية فلا يفتتن عنها) ومما يبرهن علي سماحة هذا الإسلام أن الرسول صلوات ربي وسلامه عليه عندما عقد معاهدة مع قبيلة تغلب سنة9 هجرية كان الإسلام قد قوي ودانت به العرب ولكن الرسول الكريم أباح لهم فيها البقاء علي دينهم. وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه أوصي أسامة بن زيد لما توجه الي الشام بأن( الوفاء لمن يعاهدهم والرحمة في الحرب والمحافظة علي أموال الناس وترك الرهبان أحرارا في ديارهم وصوامعهم) وقال له: لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بعيرا إلا للأكل واذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له, وفي خلافة أبوبكر عاهد خالد بن الوليد أهل الحيرة علي ألا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة ولا قصرا يتحصنون فيه وأنهم أحرار في دينهم وعبادتهم. والناظر في رسالة الإسلام يجد ان السلام في الاسلام يمتد ليشمل سلام العالم الانساني اجمع, بل سلام الكون كله ويتبين لنا هذا في عدة أمور منها أن بعثته صلي الله عليه وسلم كانت سلاما للعالم كله, فرسول الله صلي الله عليه وسلم هو حامل رسالة الله وكلمته الأخيرة إلي أهل الأرض, وشريعته السمحة, ورحمته المهداة, لقولة تعالي قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين, يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الي النور بإذنه ويهديهم الي صراط مستقيم, ومعني سبل السلام أي طرق السلام ورسول الله صلي الله عليه وسلم لم يترك شيئا إلا علم الصحابة إياه فبلغ الرسالة كاملة, وأدي الامانة علي أكمل وجه لقوله صلي الله عليه وسلم- في خطبته المشهورة: أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت حتي ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس هذا يوم النحر؟ قلنا: بلي قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت حتي ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلي قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت حتي ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس بالبلد الحرام؟ قلنا: بلي, قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام, كحرمة يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا إلي يوم تلقون ربكم.. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم قال: اللهم اشهد, فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعي من سامع, فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. فقد بلغ حتي انه لم يترك شيئا للأمة الإسلامية الا وقد بينه ووضحه حتي قال أحدهم: إن محمدا بن عبدالله لم يترك لأمته شيئا ينفعهم الا علمهم اياه حتي الخلاء. ولكن الناس ينسون تلك التعاليم النبوية العظيمة. ويؤكد القبيصي أن السلام تحية المسلمين ورسالتهم للعالم: فقد يسأل سائل: لماذا جعل الله تعالي تحية المسلمين هي السلام بهذا النص{ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته}, فذلك إشعار بأن دين الإسلام هو دين السلام والأمان, وأن المسلمين هم أهل السلام ومحبو السلام لقوله صلي الله عليه وسلم( السلام قبل الكلام) فعندما يسلم المسلم علي رجل فمعني هذا أنه أصبح في سلام من ناحيته ولن يناله أذي لا منه ولا من غيره لأن السلام أمان, لقوله تعالي( ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا) وقوله صلي الله عليه وسلم ايضا:( إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا). ولهذا فقد دعا الإسلام الي السلام النفسي والمجتمعي والعالمي فما تجد دينا من الأديان ارسي قواعد السلام النفسي والمجتمعي والعالميبتعاليمه السامية, ومبادئه العظيمة, وقيمه الرفيعة, وأخلاقه العالية, ومعاملاته الفاضلة مثل الإسلام الذي أوجب العدل, وحرم الظلم, ونادي بالمودة والرحمة والتعاون والإيثار والتضحية وإنكار الذات والمؤاخاة بين الإنسان وأخيه الإنسان. ولا وجدت دينا من الأديان يحترم العقل الإنساني, ويقدر الفكر البشري, ويمكن للعقل أن يناقش, بكل حرية حتي في الكلام عن الذات الإلهية مثل الإسلام. لأن الإسلام أمر بالتفكر والتدبر قال الله تعالي قل هل يستوي الأعمي والبصير أفلا تتفكرون( الأنعام: من الآية50 وقال تعالي(أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمي....( الروم:8). كما قال أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا النساء) ممايدل علي أن الإسلام لم يجبر أحدا علي ان يتقبل نظرية دون مناقشتها, كما أنه لم يجبر أحدا علي الدخول فيه بل ترك للإنسان الحرية الكاملة في أن يؤمن أو لا يؤمن لقوله تعالي: لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. ويشير إلي أن الناظر في تاريخ الإسلام يجد صورا مشرفة. ففي الفتح الإسلامي لفلسطين لما جاء الجيش الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص لفتح فلسطين والتقي بجيش الروم بقيادة أريطبون وبعد قتال شديد لجأ الروم إلي التحصن ببيت المقدس فقام عمرو بحصار الروم أربعة أشهر ولم يكن أمام قائد الروم إلا الهروب الي مصر فكان ترحيب الفلسطينيين بالمسلمين واستقبلوهم بأغصان الزيتون لأنهم اعتبروهم مخلصين لهم من حكم الروم البيزنطيين وظهر احترام المسلمين لأهل الأديان الأخري عندما طلب بطريرك القدس الخليفة شخصيا فكان له ما أراد دون ان يترك شيئا في نفس القائد المسلم. وجاء الخليفة عمربن الخطاب الي بيت المقدس ليوقع وثيقة الأمان بكل احترام لأهل الأديان ونصت الوثيقة بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطي عبدا لله أمير المؤمنين أهل ايلياء من الأمان أعطاهم أمانا لأنفسهم ولأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم... وأنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من خيرها ولا من شيء من اموالهم ولا يكرهون علي دينهم ولا يضار أحد منهم... وعلي أهل ايلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن وعندما جاء وقت الصلاة صلي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب خارج الكنيسةحتي لاتصبح الكنيسة مسجدا فيما بعد ويأتي البعض ليحتجوا بصلاة الخليفة في الكنيسة لتتحول الي مسجد.