شرع ديننا الحنيف صلة الرحم وأوجبها علي كل مسلم, فالإسلام هو دين الرحمة والإحسان والبر سواء أكان برا للوالدين أوالأقارب كلهم, وبذل ما تستطيع لهم والإحسان إليهم. ولعل المقصود بصلة الرحم هي القرابة من غير الوالدين,لأن الوالدين لهما حق كبير في دين الله تعالي; واللعن والطرد من رحمة الله تعالي هي عقاب قاطع الرحم والمقصود بهم الإخوة وأبناؤهم, والأعمام وأبناؤهم, والأخوال والأقارب, سواء كانوا من طريق الأم, أو من طريق الأب, والأجداد وإن علوا, فهؤلاء هم أهل الرحم; ولذلك فإن قطيعة الرحم تعتبر من أكبر الآثام, وحقيقة صلة الرحم أن تصل من قطعك وليس أن تصل من وصلك. وبر الوالدين علي رأس صلة الرحم, بل أهم شيء فيها, ولهذا كرم الله تعالي من يصلها ويخشي قطعا بأنها سبب في زيادة العمر وبسط الرزق, فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:( من أحب أن يبسط له في رزقه, وينسأ له في أثره فليصل رحمه). كما أن واصل رحمه لا يخزيه الله تعالي حيث تكون قوة إيمانه وخشيته لله علي حسب صلته برحمه; ولهذا كان النبي صلي الله عليه وسلم أوصل الناس لرحمه كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها له: كلا والله يخزيك الله أبدا, إنك لتصل الرحم, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم, وتقريء الضيف, وتعين علي نوائب الحق. وهي من صفات المؤمنين بالله واليوم الآخر: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت). وهي من أسباب قبول العمل لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:( إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم) كما أنها من أحب الأعمال إلي الله تعالي بعد الإيمان بالله; لحديث رجل من خثعم قال: أتيت النبي صلي الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه, فقلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال صلي الله عليه وسلم:( نعم). قال: قلت: يا رسول الله, أي الأعمال أحب إلي الله؟ قال:( الإيمان بالله). قال: قلت: يا رسول الله, ثم مه؟ قال:( ثم صلة الرحم). قال: قلت: يا رسول الله, ثم مه؟ قال:( الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر), قال: قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أبغض إلي الله؟ قال:( الإشراك بالله). قال: قلت: يا رسول الله, ثم مه؟ قال:( ثم قطيعة الرحم). قال: قلت: يا رسول الله, ثم مه؟ قال:( ثم الأمر بالمنكر, والنهي عن المعروف).