وفي رواية مشهورة ذكر أن طارق بن زياد قد أحرق سفنه بعد أن نزل الشاطيء الأسباني, وذلك لكي يقطع علي جنوده أي تفكير في التراجع أو العودة, ثم خطب فيهم خطبته المشهورة الطويلة التي يقول في مطلعها: أيها الناس أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم والله إلا الصدق والصبر, واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام.. إلخ. والرواية الإسلامية التي تشير إلي حادثة حرق السفن لم ترد إلا في ثلاثة مراجع هي: كتاب الاكتفاء لابن الكردبوس, وكتاب نزهة المشتاق للزيت الإدريسي, وكتاب الروض المعطار للحميري. أما ابن الكردبوس فيذكر في اختصار شديد بعد وصفه المعركة التي خاضها طارق لاحتلال الجبل الذي سمي باسمه فيقول( ثم رحل طارق إلي قرطبة بعد أن أحرق المراكب وقال لأصحابه.. قاتلوا أو موتوا..). أما الإدريسي فيقول:( وإنما سمي بجبل طارق لأن طارق بن عبد الله بن ونمو الزناتي, لما جاز بمن معه من البرابر, وتحصنوا بهذا الجبل, أحسن في نفسه أن العرب لا تثق به, فأراد أن يزيح ذلك عنه, فأمر بإحراق المراكب التي جاز فيها, فتبرأ بذلك مما أتهم به). كما ذكر الحميري في( الروض المعطار) ما ذكر الإدريسي وقال( وإنما سمي بجبل طارق لأن طارق بن عبد الله لما جاز بالبربر الذين معه, تحصن بهذا الجبل, وقدر أن العرب لا ينزلونه, فأراد أن ينفي عن نفسه التهمة فأمر بإحراق المراكب التي جاز فيها, فتبرأ بذلك مما اتهم به). ويفهم من رواية ابن الكردبوس أن طارق أراد أن يحرق سفنهم ليشحذهم علي المقاتلة, أما الإدريسي والحميري فإنه يفهم من كلامهما أن طارقا أحسن بأن العرب لا تثق به, وقد رأتهم لا ينزلون معه إلي الجبل, مما يعني أن خلافا وقع بين طارق وبين جنوده العرب الذين تحت قيادته فعمد إلي إحراق سفنهم ليحول دون انسحابهم بها إلي المغرب, فيتخلص بذلك من التهم التي يوجهونها ضده عند القائد الأعلي موسي بن نصير. وقد شكك البعض في إلقاء طارق للخطبة باللغة العربية بهذه البلاغة, ولكن الواقع أنها مترجمة من اللغة البربرية إلي اللغة العربية فكانت لغة عالية الرقي. وقد وردت الخطبة أيضا في عدة مراجع مثل: تاريخ عبد الملك بن حبيب, وكتاب نفح الطيب للمعري, والإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري, ووفيات الأعيان لابن خلدون, عدا عامة المراجع الإسلامية فقد التزمت بالصمت إيذاء ذلك. وقد شك بعض المؤرخين المحدثين في نسبة هذه الخطبة إلي طارق, كما ذكرنا علي أساس أنها قطعة أدبية فريدة لا يقدر طارق علي صياغتها, كما لا يقدر جنوده علي فهمها لأنهم جميعا القائد والجنود عن البربر, وقد أجبنا علي هذا الموضوع بأنه ترجم عن يد الكتاب العرب بأسلوب أدبي راق. أستاذ التاريخ الإسلامي