غالبا ما تأخذنا دوامة الحياة, وننسي أنها سلف ودين, وأنها تسير وفق موازين محددة وضوابط مقننة, ولكن عندما تجتاحنا الهموم والمشاكل, ونفقد ثقتنا في أنفسنا وفي الحياة , ننسي دون قصد منا أن الحياة تدور دائما ولا تقف عند مرحلة معينة, أو مشكلة مهما بلغت صعوبتها, ودائما ما نفعله في حياتنا يرد إلينا ثانية, سواء كان خيرا أم شرا, فهذا هو الناموس الطبيعي للحياة, وما جبل عليه البشر, لذا, فالأحري بنا ألا نظن أننا نسير في مركب لا تحمل سوانا, فالمركب تحملنا وتحمل معنا مواقفنا وتصرفاتنا, حتي ما فعلناه بعفوية شديدة, فقد كان عفويا بالنسبة لنا, أما في الواقع فقد تم تدوينه في دفاتر الدنيا وسجلاتها, ويرد إلينا حتي دون أن نعرف. فذات مساء رأي رجل أثناء قيادته سيارته امرأة عجوزا تقف علي جانب الطريق بسيارتها الفارهة, وكان يبدو عليها أنها في حاجة إلي المساعدة, فتوقف علي جانب الطريق, ونزل من سيارته المستهلكة, واقترب من المرأة بابتسامة, وقد بدا عليها علامات الخوف, فقال لها:أنا هنا لأساعدك سيدتي, واسمي( براين أندرسون) وفحص السيارة, واكتشف أن إطارها مثقوب, إلا أن هذه كانت مشكلة كبيرة بالنسبة للمرأة, فانزلق تحت السيارة وبدل الإطار بسرعة, ولكنه اتسخ تماما, وتلوثت يداه كثيرا, فسألته المرأة, كم يريد مقابل خدمته, وكانت مستعدة لدفع أي مبلغ يطلبه, فقال لها براين:إذا كنت تظنين بأنك مدينة لي بشيء, فكل ما عليك فعله أنك في كل مرة ترين إنسانا يحتاج إلي المساعدة فساعديه, وتذكريني. وبعد هذه الكلمات انطلقت المرأة بسيارتها, فرأت مقهي صغيرا علي بعد كيلومترات قليلة, فتوقفت لكي تستريح قليلا قبل أن تبدأ رحلتها, وكان المقهي في حالة يرثي لها, فتقدمت النادلة من المرأة وعلي وجهها ابتسامة لا تفارقها, وقدمت لها مناديل لتجفف عرقها, فلاحظت المرأة أن النادلة الشابة حامل في شهرها الثامن تقريبا, إلا أنها تعمل كأن كل شيء علي ما يرام, وطلبت وجبتها, وبعد أن أنهتها, دفعت الفاتورة بورقة نقدية قيمتها مائة دولار, فأسرعت النادلة إلي الصندوق لكي تعيد لها بقية المال, ولكن المرأة العجوز استغلت الفرصة, واختفت وراء الباب, وحين عادت النادلة كانت المرأة قد توارت عن الأنظار, ثم لاحظت أنها قد تركت لها كلمة صغيرة علي المنديل الورقي, وأثناء قراءتها لها بدأت الدموع تجري علي وجنتيها, وكانت الكلمات هي:لست مدينة لي بشيء, فقد مررت بهذا الوضع قبلك ذات مرة, إذا ظننت أنك مدينة لي بشيء, فساعدي شخصا يحتاج إلي المساعدة, ووجدت النادلة تحت المنديل أربع ورقات نقدية بقيمة مائة دولار, وعندما عادت النادلة إلي منزلها, جلست تفكر, وقالت لنفسها:كيف عرفت هذه المرأة إلي أي حد أنا وزوجي بحاجة إلي المال, سيما مع قدوم طفل بعد شهر, وشعرت بالارتياح; لأن المشكلة قد تم حلها, وقد كان زوجها هو براين أندرسون الرجل الذي ساعد المرأة في إصلاح سيارتها. وهكذا, فإن فعل الخير الذي أسداه هذا الرجل إلي المرأة العجوز عاد إليه مرة أخري من ذات المرأة عن طريق زوجته, دون أن يعرف أي طرف من الأطراف الثلاثة بوجود صلة بينهم, ولكن كان الرابط بينهم هو حب عمل الخير الخالص لله, دون الرغبة في الحصول علي المقابل. فلو أدركنا أن كل عمل نقوم به لن يذهب سدي, وأننا سنحصل قطعا علي المقابل, دون أن نطلبه, وربما دون أن نعرف أن هذا هو المقابل; لذا ابتعدوا عن حسابات المادة أثناء عمل الخير, فللخير حسابات أخري.