إلي ابن سائق الأتوبيس الباكستاني, نصير العمال والمدافع عن حقوق الإنسان الذي صار عمدة لندن, أطيب التهاني..بهذه التغريدة رحبت هيلاري كلينتون بفوز صادق خان ممثلا لحزب العمال بعمودية العاصمة البريطانية. وقد دخل خان بذلك التاريخ ليكون أول مسلم ومواطن بريطاني من أصل باكستاني يتولي شئون واحدة من كبري العواصمالغربية. أما البليونير دونالد ترامب الذي أعلن في نوفمبر الماضي عقب أحداث باريس الإرهابية أنه سيفرض حظرا تاما وشاملا علي دخول المسلمين إلي أمريكا حال فوزه بالرئاسة, فقد سئل عما إذا كان سيسمح لعمدة لندن المسلم بدخول أمريكا فقال إن هناك دائما استثناءات. بمعني أن صادق خان سيستثني من الحظر في حالة سريانه. وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز رفض صادق خان استثناء ترامب وقال إن الأمر لا يتعلق بشخصه وإنما بأصدقائه وأفراد عائلته وكل إنسان له ظروف مماثلة في أي مكان آخر من العالم. ولم يتردد خان في وصف ترامب بالجهل بالديانة الإسلامية, وقال إن رؤاه تصب في صالح الإرهابيين. ويكشف تحليل مضمون تصريحات خان عما يتمتع به هذا السياسي من ذكاء وبراعة, حيث بدا بطلا مدافعا عن قيمة أخلاقية دون أن يجعل النقاش متعلقا به شخصيا. كما أنه لم يتحدث بصفته مسلما عندما قال إنه يرفض الاستثناء, بل دافع عن حق كل إنسان له ظروف مماثلة في ألا يتعرض للتمييز أو الاضطهاد بسبب انتمائه العرقي أو دينه. وفي حديث آخر مع شبكة سي.إن.إن أضاف خان- الذي مارس المحاماة قبل أن يكون سياسيا- أن فكرة حظر دخول أمريكا فكرة سخيفة, وأن الضرر لا يلحق به شخصيا ولا بالمسلمين بقدر ما يلحق بأمريكا الدولة العظمي التي يعرفها ويحبها, والتي يحاول ترامب من خلال تصريحاته أن يقسمها, بل ويعزلها عن العالم. قال خان إنه يحب أن يزور أمريكا لكنه للأسف لن يتمكن من ذلك إذا انتخب الأمريكيون ترامب رئيسا. وهو مالا يرجوه, بل يتمني بل أن تكون هيلاري كلينتون الرئيس القادم لأمريكا. وقد احتفت الصحافة الأمريكية بدرجة ملحوظة بتصريحات خان التي بدت مناسبة في توقيتها. فقد تزامنت مع تحقيق ترامب تقدما جعله الأقرب للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة. وهو ما يزيد من تأثير أفكاره التي تنتشر بالفعل انتشار الأوبئة الفتاكة بين قطاعات بعينها من الأمريكيين. فقد كشف استطلاع للرأي جري في شهر مارس الماضي أن نسبة خمسين في المائة ممن شملهم الاستقصاء يؤيدون اقتراحه منع المسلمين من المجيء إلي أمريكا. من هنا يبدو العالم الآن في حاجة لأصوات السياسيين المتعقلين من أمثال عمدة لندن ممن يدعون للتسامح والمحبة ويرفضون خطاب الزعماء الشعبويين البارعين في اللعب علي مشاعر الخوف والكراهية. فقد يستطيع هؤلاء خلق حركة مضادة لهذا التيار الذي يعبر عنه ترامب وأمثاله. وبعيدا عن السياسيين وحساباتهم, فإن قيم التسامح والتعايش قد تكون أكثر انتشارا بين الناس البسطاء الذين لا يتم تسليط الضوء عليهم ولا تصنع حياتهم العادية عناوين أنباء مثيرة وخطيرة. من ذلك مثلا ما حدث في كينيا في يناير الماضي عندما استوقفت شرذمة من إرهابيي منظمة الشباب حافلة يستقلها مواطنون. فقد طلب الإرهابيون من الركاب إعلان انتماءاتهم الدينية لفصل المسلمين عن المسيحيين, وربما لقتل هؤلاء لاحقا. وهو ما لم يتحقق لأن الركاب المسلمين رفضوا تعريف أنفسهم. خاطروا بما يمكن أن يحدث لهم ليحموا جيرانهم وأصدقاءهم وأبناء بلدهم. تصرفوا بتلقائية فطرية كأناس يجمعهم العيش معا دون أن يفرقهم الاختلاف في الشكل والملبس أو طريقة الصلاة.