لعل آخر ما كان يخطر علي بال معظم ناخبي لندن في الاقتراع لاختيار عمدة العاصمة هو ديانة المرشح الذي سوف يصوتون له. فلم يفز صادق خان بمنصب العمدة وهو المنصب الثاني من حيث الأهمية في بريطانيا لأنه مسلم. ولم يخسر منافسه علي المنصب زاك جولدسميث السباق لأنه يهودي. صحيح أنها مصادفة غريبة أن يكون المتنافسان الرئيسيان علي المنصب من هاتين الديانتين تحديدا لكن الأمر لا يعدو كونه مصادفة ولم تكن ديانة أي من الرجلين حاسمة أو مؤثرة في النجاح أو الفشل. يمثل فوز صادق خان بالمنصب سابقة باعتبار انه ابن مهاجر باكستاني فقير عمل سائق أتوبيس لكي يعول أسرته الكبيرة العدد كما عملت أمه خياطة للمساعدة في نفقات الأسرة. لكنه سابقة أيضا من حيث كونه أول مسلم يشغل منصب عمدة العاصمة. عند هذا الحد يتعين أن يتوقف الحديث عن الدور الذي لعبه الدين في فوز صادق خان وفي هزيمة جولدسميث. ذلك أن أي قراءة تجعل للدين دورا مؤثرا لابد أن تؤدي بالضرورة الي نتيجة غير النتيجة التي أسفر عنها التصويت. لو كانت المفاضلة بين صادق خان وجولدسميث قد جرت علي أساس من انتماء كل منهما الديني في هذه المرحلة التاريخية تحديدا لكان الفوز بلا جدال من نصيب جولدسميث. فعندما يكون الدين هو الفيصل في الوقت الذي يمثل فيه تنظيم داعش وتنظيم القاعدة الصورة النمطية للإسلام لدي غير المسلمين بكل ما يقومان به من ممارسات تسيء أول ما تسيء الي الإسلام يكون من المنطقي أن ينأي الناس بأنفسهم عن اختيار شخص يمثله هذان الفصيلان. في وقت يمثل فيه الإسلاموفيا اي الخوف من الإسلام والعداء له- هاجسا لدي الأغلبية الساحقة من غير المسلمين في العالم كله يصبح اختيار صادق خان ليس لكونه مسلما وإنما علي الرغم من كونه مسلما- هو الأمر الذي يتعين التوقف أمامه ومحاولة فهمه. لم يتوقف الناخب اللندني أمام ديانة صادق خان بقدر ما توقف أمام البرنامج الانتخابي الذي طرح وعقد مقارنة بينه وبين برنامج جولدسميث واختار صادق خان عن اقتناع بأنه سيكون قادرا علي تنفيذه. ليس كل من صوت لصالح صادق خان من المنتمين الي حزب العمال وليس كل من اختار جولدسميث من حزب المحافظين وإن كان الولاء الحزبي قد لعب بلا شك دورا مؤثرا. في مجتمعات لم تعد مشغولة بالحسب والنسب والعقيدة تصبح الكفاءة جواز المرور. لم يتوقف الناخب الأمريكي منذ ثماني سنوات أمام حقيقة أن باراك أوباما ابن مهاجر وأنه أسود وأن أباه مسلم لكنه توقف أمام برنامج أوباما والآمال التي بشر بها. نفس الأمر حدث مع صادق خان المدافع عن حقوق الإنسان والذي يتمتع بقدرات تنظيمية جعلت حزبه يرشحه للمنصب الذي يشار الي أن شاغله يمكن أن يصبح رئيسا للوزراء. لم يصوت كل الناخبين المسلمين في لندن لصادق خان بل صدرت فتاوي بتكفيره لأنه صوت في مجلس العموم البريطاني لصالح زواج المثليين ولا ينظر مناصرو القضية الفلسطينية من بين مسلمي لندن نظرة رضا الي صادق خان لأنه لا يدعو الي مقاطعة إسرائيل وبالتالي لا يمكن القول إن كل مسلمي لندن صوتوا له لأنه مسلم. لندن مدينة كوزموبوليتانية بمعني أنها جامعة للناس من كل الملل والطوائف والمذاهب والألوان والعرقيات. الحساب في مثل هذه المدن والمجتمعات يتم علي أساس الصواب والخطأ وليس بمنطق الحرام والحلال.