ينظر صندوق النقد الدولي إلي( التسهيلات الإقراضية للدولة) من خلال سياسة عامة تسمي( التكييف الهيكلي) والذي يتألف من مرحلتين متمايزتين :التثبيت الاقتصادي الكلي في الأجل القصير والذي يتضمن تخفيض سعر العملة وتحرير الأسعار وميزانيات التقشف..يعقبه في المرحلة الثانية تنفيذ عدد من الإصلاحات الهيكلية أكثر أساسية وضرورية وهي تنفذ جنبا الي جنب مع التثبيت الاقتصادي. إن التحكم في عملة الدولة من خلال( سعر الصرف) هو اهم أداة لإصلاح الاقتصاد الكلي وحيث يؤثر تخفيض سعر العملة( بما في ذلك توحيد سعر الصرف) علي علاقات العرض والطلب الرئيسية داخل الاقتصاد القومي. ويمارس الصندوق دورا سياسيا رئيسيا في قرارات تخفيض سعر العملات. بما يؤثر في الأسعار الحقيقية التي تدفع للمنتجين المباشرين فضلا عن القيمة الحقيقية للأجور. حيث يري الصندوق دائما ان سعر الصرف( مبالغ فيه) وغالبا ما يطلب تخفيض سعر العملة( كشرط مسبق) قبل المفاوضات حول قرض التكييف الهيكلي. إن زعزعة العملة الوطنية تمثل هدفا رئيسيا لجدول الأعمال الخفي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ويؤدي التخفيض الأقصي لسعر العملة الذي يترتب عليه ارتفاعات أسعار مباشرة وفجائية- وضغط درامي للدخول الحقيقية, وفي الوقت نفسه, يؤدي الي تخفيض القيمة الدولارية للمصروفات الحكومية مما يسهل توفير عائدات للدولة يتم توجيهها لخدمة سداد الدين الخارجي للدولة ويفرض الصندوق توحيد سر الصرف في سياق أحكام المادة الثامنة من مواد اتفاق الصندوق وتمنع الدول التي تقبل تلك المادة من اتباع أساليب تعدد أسعار الصرف أو ضوابط الصرف الأجنبي دون موافقة الصندوق! وتأتي الآثار الاجتماعية لتخفيض سعر العملة الذي يرعاه الصندوق قاسية وعاجلة فالأسعار المحلية للمواد الغذائية الرئيسية والأدوية الأساسية والوقود والخدمات العامة تزيد بين يوم وليلة وكذلك أسعار الأسمدة والمدخلات الزراعية والمعدات..إلخ! ورغم ان تخفيض سعر العملة يطلق حتما التضخم و(دولرة) الأسعار المحلية, فان الصندوق يجبر الحكومة كجزء من الحزمة الاقتصادية علي ما يسمي برنامج مكافحة التضخم وكذلك يفرض إجراء استقطاعات ضخمة في برامج القطاع الاجتماعي وعدم ربط الأجور بالأسعار! كما يشكل تخفيض سعر العملة- وليس عرض النقود- العامل الرئيسي الذي يطلق دوامة التضخم, وينكر صندوق النقد الدولي الأثر التضخمي لتخفيض سعر العملة وتفرض قيود مشددة عقب تخفيض سعر العملة بعد ان تكون ارتفاعات الاسعار قد حدثت بغية( مكافحة الضغوط التضخمية). بما يؤدي الي تجميد خلق النقود والذي يلزم الحكومة بتقييد المصروفات الحقيقية وتخفيض الاجور الحقيقية وتسريح الموظفين المدنيين! فالصندوق يشترط تحرير سوق العمل وإلغاء احكام غلاء المعيشة في الاتفاقات الجماعية والإلغاء التدريجي لتشريع الحد الأدني للأجور. وغالبا ما تمس تدابير التقشف كافة المصروفات العامة من خلال وضع مكون المصروفات في كل الوزارات تحت مراقبة الصندوق والبنك. وتكريس كل الجهود الي تدبير الموارد لخدمة الدين الخارجي للدولة. بفرض أسعار منتجات النفط تحت اشراف البنك الدولي وتسهم ارتفاعات أسعار الوقود والمرافق العامة في زعزعة الإنتاج المحلي بما يرتد علي هيكل تكلفة الصناعة والزراعة المحليين. وأخيرا بمقتضي برنامج( الاستثمار العام) يتحكم في أي أنواع البنية الأساسية يتم تمويلها وايها لا يتم تمويله حيث يؤدي توجيه الاستثمار في التحكم في البنية الأساسية الاقتصادية والاجتماعية للدولة. وفي حين أن تمويل المشروعات يمنح في شكل قروض( لينة) بأسعار ميسرة, فان التكاليف الفعلية( وسعر الفائدة الكامن خلف هذه التكاليف) يزيد من الدين الخارجي للدولة مرة اخري, تمهيدا لوضع الدولة في مرحلة( الإصلاح الهيكلي الاقتصادي) الشامل. وهو موضوع مقال الأسبوع القادم.