لا يكف خبراء الإدارة وعلم النفس عن البحث عن الأفكار المبتكرة من أجل تطوير أماكن العمل وليس فقط أسلوب الإدارة. وقد ترجم بنك سيتي جروب عمليا هذه الأفكار عند تجديد مقر البنك الكائن في حي منهاتن بمدينة نيويورك. فعندما عاد الموظفون إلي مقرهم كانت في انتظارهم كافيتريات مجهزة بمعدات حديثة لتحضير القهوة ومصاعد سريعة وأماكن وثيرة للراحة. لكن الجديد أن أيا منهم لم يجد مكتبا خاصا به لأن المكاتب الموجودة بالمكان سيكون استخدامها متاحا بالشيوع بين الجميع; من يأتي أولا يجلس في المكان الذي يفضله, وعند انتهاء يوم العمل يحمل كل موظف أغراضه ويغادر المكان. وحتي المدراء ليس لهم غرف مستقلة. سيجلس العاملون معا رؤساء ومرؤوسين متقابلين في صالة فسيحة بلا أبواب ولا حواجز. وبدلا من وضع أشيائهم الشخصية في أدراج مكاتبهم, تم تخصيص خزانات خاصة ليضعوا فيها متعلقاتهم علي غرار تلك التي يستخدمها المترددون علي صالات الألعاب الرياضية. هذه هي أحدث صيحة في تصميم أماكن العمل في أمريكا, مفهوم يطلق عليه تعبيرالمكاتب الساخنة, أي المكاتب التي يستخدمها الموظفون تباعا فتظل ساخنة علي الدوام, أوالمكاتب الفندقية أي التي يتنقل بينها الموظفون كما يتنقل المسافرون بين غرف الفنادق. تمت هذه التجديدات بناء علي نتائج دراسات حديثة تفيد بأن جلوس الموظفين معا في مكان مفتوح يساعد في تبادل الآراء ويعزز الإحساس بروح الفريق ويزيد الانتاجية, كما يساعد المؤسسات علي خفض الإنفاق وتوفير الموارد. فالأمريكيون حاليا يعملون غالبا من منازلهم أياما محددة في الأسبوع, وبالتالي فإن تجهيز مكاتب تظل مغلقة أثناء عمل أصحابها خارج مقر الشركة إهدار للموارد لا داعي له. من الفوائد الأخري المفترضة لوجود المرؤوس والرئيس وجها لوجه في مكان واحد تسهيل مهمة الإشراف والمتابعة وبناء الثقة والألفة بين من ينتمون لدرجات وظيفية مختلفة. لكن التطبيق العملي لهذا النظام في عدد من المؤسسات كشف عن نتائج غير متوقعة. فنسبة كبيرة من الموظفين يفتقدون الإحساس بالخصوصية, ويخشون أن يؤدي استخدام أكثر من شخص للمكتب ذاته والأدوات المكتبية نفسها إلي نشر الميكروبات والجراثيم وزيادة معدلات الإصابة بالأمراض لاسيما نزلات البرد والزكام. وقال بعض من جربوا الفكرة إن البحث كل صباح عن مكتب يمكن الجلوس إليه عملية تستغرق وقتا وجهدا, وقد تثير أحيانا الإحباط وتقلل الحماس للعمل. كما لاحظ بعض رؤساء العمل أن هذا الأسلوب لا يعزز بالضرورة من روح الفريق والانتاجية, بل العكس عندما يفضل بعض الموظفين الأصدقاء الجلوس متجاورين ويضيعون الوقت في تبادل الأحاديث. أما وجود الرؤساء والمرؤوسين معا بلا حواجز أو أبواب, فلم تثبت التجربة أنه يزيد الإحساس بالثقة والصداقة بل قال بعض الموظفين إنهم يشعرون بأنهم مراقبون. المكاتب الساخنة ليست التصور الوحيد لمفهوم التجديد. ففي بعض أماكن العمل الأخري مثلا مازال لكل موظف مكتب خاص به, لكنه لا يجلس علي مقعد بل يزاول مهامه واقفا علي قدميه بعد أن اقترحت بعض الدراسات الحديثة أن الجلوس ساعات طويلة يصيب الموظف بالأمراض. وتوفر شركات أخري لموظفيها بديلا عن المقعد عجلة ثابتة كي يمارس الرياضة أثناء قيامه بمهام عمله. وهكذا فإن هذه الأفكار المبتكرة لا يثبت جدواها إلا بعد التجربة والتأكد من أنها تحقق بالفعل راحة الموظف وسعادته. وهو ما يراه خبراء الإدارة مقدمة لازمة كي يعمل الموظفون بكفاءة وابتكار أي كي تنجح المؤسسات والشركات التي يعملون فيها.