نحن نوقن ان الشاعر يمتلك حرية الحق في النظر والتأمل في الوجود والكون وتفاصيل الحياة بالخيال والفكر الحر المستنير ويعيد صياغة الواقع الذي ينتمي له بل وينمي ويطور رؤيته الصادمة للعالم من حوله انه حق كل الشعراء, حق لابد منه لعالم الابداع الراقي الحاكم ولابد الا يعاقبه عليه احد او يتوعده علي افانينه تلك, فذائقه الناس مختلفة ولا حيلة لنا في مقاومة المختلف والمختلف عن نظرتنا العالية العالمية للانسان ومشاعره, هذا مدخلنا لقراءة التجارب الشعرية والقصصية خصوصا حين تنتمي لمرحلة النضج الخلاق في عمر الاديب القاص أو الشاعر فيحلق بها وبنا فوق كل انتاجه الفكري السابق ويسابق الريح والصواعق ويفرض وجوده علي الحركة الثقافية لعصره والادبية معلنا انتماءه للطبقة العليا من فحول الشعراء الكبار( بين الكلمات للشاعرة المصرية الصميمة مريم توفيق) من ذلك النوع الذي خرج من مضيق اللفظ إلي سماوات الخيال وسمو الافكار وجوهر المعاناة وسهولة الإفصاح والابانة, قريحتها قادرة. ومزايدا عليه في الباع والرواية وهو أعلم بما صنعت وكيف( في المستويات الأسلوبية الأبعد غورا, تحرص الذات الشاعرة علي تجهيل الأسلوبي العمدي ل1 مرجع الضمير وترسيخ الإطار التشويقي.. ص7) وأياما كان الرأي في مدي تأثير وتأثير الشاعرة ب( ملمح سردي لافت لا تخطئه العين.. ص6) فإن اعادة قراءة الديوان من نافذه القارئ أو العاشق للشعر ولجمالياته قد تقضي بنا نحو الوقوع في دائرة السحر مرة تلو أخري في وثبة نوعية أبعد قليلا من مساحة المنتصف التي حفلت بالشجون والآمال والايحاء بالآلام ان لم تكن فعلا وحقا( هكذا توهمت أنني أقوي من التنين, أقوي من النسر, فكبلتني طعنة الغدر, أشعلت في دمائي اليأس, فاستبحت الشعر والنثر..). اعود إلي ديوان شعر بين الكلمات ل مريم توفيعه الذي عرفته الشاعرة بأنه نصوص وهي علي كل حال قد قاربت بين نثرها حتي ارتقت به لمصاف الشعر متخذة من عفويته وبساطته وتطويع حركته لتؤدي به اغراضا شاعريه في ايقاع ذاتي حالم( في البدء.. كانت نظرة وخطا يراقبها البصر, يمشي إليها قلبي الولهان عشقا لا نفر, ملء العين, ملء السمع فإن الصور.. ص41) التزم يوسف الخال في نقده لظهور قصيدة النثر أو( القصيده المشبعة نثرا) موقفا متفهما من حيث انها شكل من الاشكال الادبية يقع في اشكالية استناده للنثر ويحاول ان يصعد نحو سماء الشعر ورغم اتفاقه مع اساطين عصره ان الشعر شيء والنثر شيء آخر, الا ان فكرة الاشعار المؤداة فنيا ثلاثة( شعر متحرر من القافية, شعر حر بوزن وموسيقي داخلية ذاتية الصنع من ابداعات الشاعر وثالثه القصيدة النثر) في ما يخص التجديد فأنسي الحاج كان يدعو إلي قصيده بلا ايقاع وهي تلك التي تتماس وتقترب من الحكاية ويدين ذلك( نشيد الانشاد, قصائد انجليزية كثيرة) والتي تستعيض عن الايقاع بتماسكها كوحدة وبمحتواها الفكري والمعنوي, وهو ما يلفت النظر في نص مريم توفيق( عند المساء أيقنت أنني للشعر أنسام عشق, فلم تعد تفتتني الرياح, ليتهاوي القلب بين الخواطر, تائهة بجوف الليل, يطرقني الخوف والباب الموصد, مخنوق لحني, وقرص الشمس منذ البكور في افول..) هل قصدت مريم الشاعرة روح النقد حين قررت الكيان الواحد المغلق والرؤية التي تتسم بارسالها الوميض الواضح الصريح لبناء داخلي صعب ولا يقدر عليه الا المختارون الموهووين, ونعود( النار تحرق ردائي وستائري, من وميض برق احتل جدراني, ادركت أن الحياة بين الكواكب وبسمة ثغره, بشري لنيل يحلم بعشق أبيض..) المعيار هنا النجاح في كتابة قصيدة النثر كما ينبغي ان نشير اليها بهذا الوصف والاسم لأن العديد من الشعراء جانبهم التوفيق في ذلك واصبح ما صنعوه اثما واضحا, لكن نصوص بين الكلمات تتقمص الحلم تارة والالحان الصوفية تارة أخري( في خلوتي صافحت مراكب النور حين تبدد القلق ايتها العصافير, الآن ربحت النور والشمس في ظلال, سأبعث الاشعار فيه مزامير من ألحانه..) و(كان اللقاء الخاطف فرصة الذهب للروح وقد منيت بالوصال لكنني لم أرو منه نواظري, آه من الحنين وناره..) تقبع الغنائية الشعرية في خلفية المشهد الشعري لتصير الكلمات ذات شخصية محددة بذاتها ذلك ان ابتكار الجمال له حضور جديد داخل النص( سيدق الباب يا حمام بليل مقمر, تراني أنتشي بالأزياء وأبدل الأحمر عشقي, الأزرق ما أروعه, لكن اليوم عرسي, إذن الأبيض من الفل تاجي..) لغة الخيال الدال الواصف, محنة الوجود ومعاناة لم تعد قصيدة النثر هكذا ضجيجا مفتعلا إذ كيف تكون ونصوص من جدارية العشق بين الكلمات تقول( يا من ترقد بين الجوانح, وتتأرجح في العيون, تشرق تاريخا من الجمال, حين تخط يمينك الحب شعرا ونثرا) هذا التواصل في الايقاع الشعري والتجديد في ايجاد الخيال والتوازن الدقيق الذي تعيه الاذان أو تجري في اثره العينان لهو جدير بعناق طويل فالكلمات تتراقص وقد حبست الانفاس واندمجت في مخيلة القارئ المتلقي شأن الشاعر الذي كتب, فتواصلا, وتفاهما, يعين كليهما, الحماسة التي فرضت الكلمات وما بينها عليهما الاخذ بمعيارها في الاجادة والاجتهاد( ما اروع أن احتضن ملامح وجهك, في اعماق سكوني, في احلام عيوني انتظرك...) قالت الشاعرة في إشراق عن قصة حب في تاريخ الطفولة وقلبها نابض بالعشق وعيناها تنضج بالسحر الذي لم يوجد مثيله حتي انا لم أر عند بعده الا استعادة تمثيله والتغني به, ذكرتني مريم بالشمس البديعة, بالزاد الخيال والعطر الخيال, والفارس المقدام في ليالي البهجة حتي اني تذكرت الوعد حين قالت: تحت ظلال وعدك جئت الحلم الآتي..؟! وانا ايضا في انتظار الحلم وجلست علي مقربة منك, اطوف بالذكريات, أحاور ابطال الأحلام.