سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
..وأعرض عن الجاهلين الشيخ محمد شعلان:بالابتعاد عنهم والانشغال بما هو أهم من نشر الدعوة وبناء المجتمع
د. فتحى عثمان:علامات الجاهل المتكبر ثلاث: العجب وكثرة الكلام فيما لا يعنيه وأن ينهى عن شىء ويأتيه
الجهل آفة خطيرة لها آثار وخيمة علي الفرد والمجتمع, وكما يقول الشاعر العلم يرفع بيت لا عماد له, والجهل يهدم بيت العزة والكرم, فالجهل يدفع صاحبه إلي التقليد الأعمي ويأخذ قول الغير بدون دليل ويدفع صاحبه إلي التعصب الذميم لرأيه. وأمرنا الله سبحانه وتعالي في القرآن الكريم بالإعراض عن الجاهلين المتكبرين, وذلك بعد بيان الحجج والبراهين علي فساد اعتقادهم, وهنا يكون دور الدعاة والعلماء ببذل كل سبيل لبيان الحق وتبليغ دعوة الله إلي عباده. ويقول الدكتور فتحي عثمان وكيل كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الجهل نوعان وهما: الجهل البسيط, وهو عدم العلم عما من شأنه أن يكون معلوما, والجهل المركب وهو عبارة عن الاعتقاد الجازم غير المطابق للواقع, وأما قوله تعالي وأعرض عن الجاهلين ففي هذا حض وحث وندب إلي العلم والتعلم والتعلق بالعلم والإعراض عن أهل الظلم, وأن ينزه الانسان العالم نفسه عن منازعة السفهاء, وأن يتحلي بالأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة, وهذه الخصال جمعها رسول الله صلي الله عليه وسلم بجابر بن سليم. قال جابر ركبت قعودي ثم أتيت إلي مكة فطلبت رسول الله( صلي الله عليه وسلم) فأنخت قعودي بباب المسجد. فدلوني علي رسول الله, فإذا هو جالس وعليه برد من صوف. فقلت السلام عليك يا رسول الله. فقال: وعليك السلام. فقلت: إنا معشر أهل البادية قوم فينا الجفاء فعلمني كلمات ينفعني الله بها. قال: إدن فدنوت. فقال: أعد علي. فأعدت عليه. فقال: أتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا, وأن تلقي أخاك بوجه منبسط. وأن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي, وإن إمرؤسبك بما لا يعلم منك فلا تسبه بما تعلم فيه, فإن الله جاعل لك أجرا, وعليه وزرا ولا تسبن شيئا مما خولك الله تعالي. فقال جابر: فوالذي نفسي بيده سببت بعده شاه ولا بعيرا. وأعرض عن الجاهلين أي إذا أقمت عليهم الحجة وأمرتهم بالمعروف فجهلوا عليك فأعرض عنهم صيانة لك ورفعا لقدرك عن مجابهتهم. ويشير الدكتور فتحي عثمان إلي بعض مواقف الصحابة رضي الله عنهم في هذا الأمر. وذلك عندما دخل عينيه بن حصن علي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مستأذنا عليه فقال: يا ابن الخطاب... والله ما تعطينا الجذل الكفاية ولا تحكم بيننا بالعدل. قال الراوي: فغضب عمر حتي هم أن يقع به فقال من استأذن له يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه عليه الصلاة والسلام خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإن هذا من الجاهلين. فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه. وكان عمر وقافا عند كتاب الله. أي لا يتجاوز حكم الله, فالقرآن الكريم يأمر بالإعراض عن الجاهلين. وهم الجهلاء المتكبرون, وهذا علاجه بعد بيان الحجج والبراهين له علي فساد اعتقاده أن تتركه يتبخر بنفسه. هذا هو الحل الشرعي له. فالكبر مضاد التواضع والعلم الذي يرفع الجهل لا يناله إلا بالتواضع. ويضيف عثمان: أما عن أصحاب الجهل البسيط وهو الذي لا يعلم لا يمكن شرعا الإعراض عنه, وهذا هو الذي قال فيه الإمام علي رضي الله عنه لا يسأل الله الجاهل عن جهله, ولكن يسأل العالم عنه لما لم تعلمه. ومن الحكم في ذم الجهل المركب وأصحابه, قيل لأحدهم ما لكم لا تعاتبون الجهال. فقال: إنا لا نكلف العمي أن يبصروا ولا الصم أن يسمعوا, فوصف الجاهل المتكبر بالأعمي والأصم. وقال عبد الله بن مسعود إغدوا عالما أو متعلما ولا تغدوا فيما بين ذلك. فإن ما بين ذلك جاهل, وإن الملائكة تبسط أجنحتها للرجل يبغي رضي الله بما يصنع. وعلامة الجاهل المتكبر ثلاثة كما يوضح د. عثمان: العجب وكثرة الكلام فيما لا يعنيه, وأن ينهي عن شيء ويأتيه, قال الإمام علي ما ناقشت جاهلا إلا غلبني, وما ناقشت عالما إلا غلبته. وقال الإمام الشافعي إعرض عن الجاهل السفيه: فكل ما قال فهو فيه ما ضد بحر الفرات يوما.. إن خاض بعض الكلاب فيه وقال سيدنا عمر بن الخطاب لا تخاطب الجاهل فيغلبك بجهله. ومن الشعر العلم يرفع بيت لا عماد له.. والجهل يهدم بيت العزه والكرم ومن مضار الجهل المركب أنه يؤدي بصاحبه إلي التقليد بأخذ أقوال الغير بدون دليل, وكذلك التعصب الذميم لأن الجاهل يريد أن يظهر نفسه فلا مفر له إلا التمسك بما يجهله, ويريد أن ينتصر لرأيه. ويقول الشيخ محمد شعلان وكيل مديرية أوقاف القليوبية أن الآية الكريمة خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين مدرسة قرآنية ترسم الخط العريض الذي ينبغي ألا تفارق أقدام الداعية إلي الله تعالي. فالأمر بالإعراض عن الجاهلين جاء بعد الأمر بقوله وأمر بالعرف فلابد من التبليغ أولا. فالداعية لا يعرف الجاهل الذي أمر بالإعراض عنه, وإنما عليه أن يبذل كل سبيل لبيان الحق والصواب, وتبليغ دعوة الله تعالي إلي عباده, ولو تتبعنا الآيات التي فيها أمر بالإعراض عن الجاهلين لوجدناها تعني أولا المنافقين. ومعني الإعراض عنهم عدم كشف ما يخفونه من نفاق وكفر. قال تعالي وإذا قيل لهم تعالوا إلي ما أنزل الله, وإلي الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ثم يأتي الأمر بالإعراض عنهم أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا فمع الإعراض عنهم يأمر النبي صلي الله عليه وسلم أن يعظهم, وأن يقول لهم من جميل الكلام ما يستقر في نفوسهم لعله يؤثر في نفوسهم فتصفو وتعرف الطريق الصحيح للإيمان. ويضيف شعلان وقريب من هؤلاء الذين تخلفوا عن القتال في غزوة تبوك ثم أبدوا أعذارا كاذبة, ويبدأ حديث القرآن عنهم بقوله تعالي وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم.. إلي أن قال سبحانه.. سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم فهؤلاء تخلفوا عن النبي صلي الله عليه وسلم, وتركوا نصرته في أشد الحالات فالاهتمام بهم تضييع للجبهة الداخلية. وأمثال هؤلاء الذين يتخلون في وقت الشدة لا قيمة لهم, فالإعراض عنهم بيان لحقيقة حجمهم. أما في سورة الحجر وهي مكية متقدمة في النزول علي الوضعين السابقين يأتي الأمر من الله تعالي بالإعراض عن المشركين, قال تعالي فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين, والمطلوب أن يعرض عن بعض أموالهم لا عن ذواتهم, وكما قال أهل التفسير أعرض عن أموالهم لا عن ذواتهم أعرض عن أبائهم إعلان الدعوة, وكانت الدعوة سرا في دار الأرقم بن أبي الأرقم حتي نزلت هذه الآية. ويوضح الشيخ محمد شعلان قريب منهم من أمر النبي صلي الله عليه وسلم بالإعراض عنهم في سورة النجم فأعرض عمن تولي عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إنهم طراز من الناس انحصر عملهم وعلمهم في الدنيا, والدنيا فقط همهم ومبلغهم من العلم, وقد قال عنهم النبي صلي الله عليه وسلم الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولا يجمع من لا عقل له. وهذا الصنفان من أكبر معتقدات الدعوة في كل زمان ومكان, أما المشركون ومثلهم في الهدف كل المعاندين للإسلام والحاقدين علي أتباعه الحريصين علي وضع العقبات في طريق الدعوة إليه, ويحاولون دحض الحق بالباطل, وذلك بإشاعة الفتن والأقوال والأفعال للإسلام, وهو منها براء أو بالإساءة إلي الصحابة رضي الله عنهم أو بالطعن في علماء الأمة, وإظهار التراث الإسلامي بصورة الداعية إلي سفك الدماء, وغير ذلك مما أثير ويثار بين الحين والآخر. فأمثال هؤلاء لو جعلوا الشغل الشاغل للدعاة لفوتوا علي الأمة الخير الكثير, وإنما ينبغي أن نبين باطلهم في حدود البيان, وفقط فإذا ما عرف باطلهم وجب الإعراض عنهم والإنشغال بما هو أهم من نشر الدعوة وبناء المجتمع. أما الصنف الثاني وهم الذين انشغلوا بالدنيا فهم ليسوا أقل خطرا من سابقيهم حيث يجعلون الدين طوع أفكارهم فيلونون الآيات والأحاديث بما يناسب أغراضهم, وبما يمكنهم من المكاسب الدنيوية علي الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وأمثال هؤلاء حين يتحدث عنهم أهل العلم لا يقصدون ذواتهم, ولكن يقصدون ما بنوا عليه فكرهم. فعلي العلماء أن يعرضوا عن ذواتهم, وأن يهتموا بما يبثون من فكر سقيم لا صلة له بالدين, فالأمر بالإعراض عن الجاهلين لا يعفينا من ضرورة عرض الحق عليهم إلا أن يتكبر العقل البشري, ويكتفي بالسخرية كما ذكر الله تعالي حالهم في قوله تعالي وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم وكان من المتوقع أن يقولوا إن كان هذا هو الحق من عندك فإهدنا إليه, ولكن كما قال ربنا سبحانه وتعالي فإنها لا تعمي الأبصار, ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.