حالة من الصدمة تركتها جلسات الدورة الثالثة والأربعين لمؤتمر العمل العربي الذي عقد بالقاهرة مؤخرا حيث ورد خلالها تصريحات عن وصول أعداد العاطلين بنهاية2017 إلي200 مليون شخص حول العالم وهو رقم مخيف يعكس ماوصلت إليه الاقتصاديات العالمية. وبالطبع ستحظي بلداننا العربية بنصيب كبير من هذا الرقم وخاصة مصر التي تعاني نموا سكانيا متزايدا وهو ما يتطلب ضرورة إيجاد صناعات جديدة كثيفة العمالة وفتح أسواق ناشئة لاجتذاب الباحثين عن عمل. الأمر نفسه ينطبق علي العاملين المنضمين حديثا لصفوف العاطلين بعد أن تركوا أعمالهم بمناطق الصراع في المنطقة العربية وخاصة ليبيا التي كانت تضم مليونا ونصف المليون عامل مصري تزامنا مع اتجاه دول الخليج لتطبيق ما يعرف بتوطين الوظائف وعدم الاستعانة بالوافدين. لمناقشة هذا الملف الصعب التقت الأهرام المسائي رجب معتوق أمين عام الاتحاد الدولي للعمال العرب أثناء زيارته للقاهرة وحاورته حول البطالة وأرقامها وروشته للقضاء عليها, وتخطي الحديث هذا الحد حيث تطرقنا لفتح ملف الحريات النقابية ومناقشة الاتهامات الموجهة للنقابات المستقلة في مصر بالتآمر علي الدولة.. وهذا هو نص الحوار: * بداية كيف تري نتائج الدورة الثالثة والأربعين لمؤتمر العمل العربي ؟ كانت نتائج جيدة حيث ركزت معظم مداخلات المشاركين فيها علي موضوع البطالة وارتفاع نسبة الفقر وكيفية مواجهتها وقضايا المرأة والمهمشين. وتم التوافق والتركيز علي ملف المشروعات الصغيرة باعتبار أن هذا توجه لمنظمة العمل العربية في الدفع بتوسيع دائرة المنشآت الصغيرة ومنتهية الصغر حتي تستطيع أن تستوعب أكبر قدر من العاطلين عن العمل. *وهل تتفق مع التصريحات التي جاءت في المؤتمر من أن البطالة كانت سببا رئيسيا في قيام ثورات الربيع العربي؟ البطالة جزء وليست كلا. فالربيع العربي كان له أبعاد أعمق حيث خرجت الجماهير لوجود تهميش وفساد كبير وتراجع في الحقوق وعدم وجود ديمقراطية حقيقية ولا ضمانة للحريات وهناك أسباب كثيرة جدا حركت الثورات ومن بين هذه العوامل كانت البطالة. وتبين في وقت لاحق للمتابعين والمراقبين بشكل جيد للأحداث أن هذا الخروج هو خروج جماهيري سلمي يطالب بحقوق مشروعة ويطالب بالتغيير لكن تبين أيضا أن التخطيط لهذا الخروج كان منذ وقت بعيد وذلك بهدف توظيف هذا الخروج لغايات سياسية أخري. *ومن الذي كان يوظف؟ الغرب ولتعود معي لتصريحات كولن باول عندما قال نحن خصصنا350 مليون دولار كدعم لمنظمات المجتمع المدني في الشرق الأوسط وكذلك عندما تعود لأعداد هذه المنظمات التي وصلت في تونس ذلك البلد الصغير إلي عشرة الآف منظمة أعرف تماما أن هؤلاء الناس لايقدمون الأموال كهبة ولابد أن يكون لها مقابل. ولازلنا نذكر تصريح كوندليزا رايس في حرب بيروت عام2006 عندما أطلقت مصطلح الفوضي الخلاقة وما كتب من كتابات حول الشرق الأوسط الجديد وتفكيك المنطقة وإعادة تركيبها بما يخدم مشروعهم. وفي تقديري أن ما عطل هذا المشروع هو ما جري في مصر فقد قامت ثورة25 يناير وأسقطت مبارك وسرقها الإخوان ليصلوا لسدة الحكم ثم قامت ثورة30 يونيو وتحرك الشعب المصري بضمانة الجيش وتغير الوضع تماما الذي كانوا يخططون له وكانت هذه بداية سقوط المشروع في المنطقة. *بالعودة للبطالة.. نجد أن الثورات التي تحدثنا عنها أحدثت تغييرات كبيرة في أسواق العمل وأدت إلي حالة ركود وهذا ما أثر علي الاقتصاديات العربية. أليس كذلك؟ نعم هذا صحيح فخلال خمس سنوات وقعت الأمة العربية ضحية هذا المشروع الذي ترك ندوبا حادة جدا في العلاقات البينية العربية العربية وترك تداعيات علي مستوي الاقتصاد العربي برمته. فوفقا لإحصائيات صندوق النقد الدولي بلغت إجمالي الخسائر المادية في العالم العربي خلال سنوات الثورة الخمس850 مليار دولار ويضاف لها تهدم البنية التحتية لعدد كبير من البلدان العربية ويضاف لها نحو22 مليون نازح ومهجر في العالم العربي ويضاف لها ما لا يقل عن مليون ونصف المليون قتيل في الدول التي تشهد نزاعات مسلحة. يضاف لذلك تراجع الاقتصاديات العربية خلال الخمس سنوات الماضية لأنها معظمها يعتمد علي الاقتصادات الريعية فتونس مثلا كانت تعتمد قبل2011 علي السياحة في مواردها العامة بنحو55% وهو ما فقدته بعد الثورة لذلك كادت الثورة أن تكرر في تونس خلال عام2015 حيث خرجت مجاميع من الناس تطالب بالعمل لوجود عدد كبير من الناس بلا عمل وخاصة بعد ضرب السياحة. *وكيف إذا ستتغلب الدول العربية علي خمس سنوات من الاضطرابات التي أنهكتها وأدت لزيادة معدلات البطالة والعودة من جديد للعمل والإنتاج والتنمية؟ حتي تعود وتتحقق آليات العمل والإنتاج والتنمية لابد أن تكون هناك حالة استقرار سياسي يتبعه تعاون اقتصادي وأنا في تصوري أننا نحتاج إلي قادة حكماء في هذه المرحلة وهؤلاء القادة لابد أن يقودوا المنطقة بأكملها إلي مصالحة عربية عربية وهذه المصالحة تقتضي تجاوز كل السلبيات الخاصة بالخمس سنوات الماضية. ومصر مثلا عانت بعض الاضطراب لكنها استطاعت الحقيقة أن تسقط المشروع الاستعماري وكان هناك وعي لدي الشارع وكان الجيش ضامنا واليوم نحن نعول علي دور مصر بعد حالة التعافي. وعندما تتعافي مصر تماما ستكون قادرة علي لعب دور الوسيط المقبول لدي كل الأطراف وتقود العالم العربي من جديد لحل كل ما يتعرض له من أزمات. *بمناسة الحديث عن مصر. هل مازالت الأيدي العاملة المصرية مطلوبة في الوطن العربي أم أننا بحاجة لفتح أسواق ناشئة جديدة لاستيعابها؟ نحن في حاجة إلي أسواق جديدة دون شك فنحن كان عندنا نحو مليون ونصف عامل مصري في ليبيا وفي فترة من الفترات كان هناك نحو خمسة ملايين عامل في العراق وكان عندك عدد كبير جدا في الخليج وأنت اليوم تعاني من تراجع هذه الأسواق وعدم وجود فائض عمل وبالتالي أنت في حاجة للبحث عن أسواق ناشئة وفي حاجة لتعتمد سياسة إعادة تأهيل العمالة وتكوينها وتدريبها لكي تتلاءم مع متطلبات أسواق العمل المتاحة. *لكننا أيضا نواجه أزمة أخري وهي سياسة توطين الوظائف واقتصارها علي أبناء الدولة فقط؟ ليس بالضروة أن نعتمد علي الأسواق الخارجية لاستعياب العمالة فقد يسد أمامك هذا الأفق وبذلك تكون محتاجا لأن يكون عندك مشروعات نهضة وتنمية دائمة في بلدك لاستعياب فائض العمالة بتوظيف المقدرات المحلية والتعاون الاقتصادي مع الدول الأخري ولابد من خلق قاعدة اقتصادية تعتمد علي الصناعة المنتجة لأنه في النهاية كل العمالة الموجودة بالخارج سيكون مآلها في النهاية إلي بلدها. *لكن بحسب تصريحات لمديرة منظمة العمل الدولية ربا جرادات قالت إن2017 سيتجاوز وجود200 مليون عاطل علي مستوي العالم. فهل تعتقد أن هذا الرقم صحيح؟ هذا الرقم صحيح وهو مأخوذ من إحصائيات منظمة العمل الدولية وهذا الرقم علي المستوي العالمي يتفاوت من قارة لقارة أما عن نصيبنا نحن في العالم العربي فيبلغ حسب منظمة العمل العربية18% ووفقا لدراسات حتي2020 نحن نحتاج في الوطن العربي إلي100 مليون فرصة عمل وطبعا هذا الرقم بالنسبة لي أقف أمامه كثيرا بالنسبة لدقته وكذلك بالنسبة لل18% ولذك أعتقد أننا بالفعل نحتاج إلي40 أو45 مليون فرصة عمل حتي.2020 * لكن لو طلبنا منك وضع روشتة سريعة للقضاء علي البطالة في مصر ماذا تقول فيها؟ هذه الأزمة ليس لها حلول سريعة ولا يمكن أن تعالج بقرص إسبرين هذه أزمة تحتاج إلي علاج مفعوله طويل المدي وإنما أنا متفائل لأني أري أن الإنجازات التي تحققت خلال عام ونصف العام من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي تعطيك انطباعا بأن مصر في طريقها لإنجاز مشروعات اقتصادية وإستراتيجية ضخمة وهذه أشياء من الممكن أن تغير وجه الاقتصاد في مصر. وأقول إن هذا إذا استمر بالوتيرة نفسها مع حجم التعاون القائم الآن بين مصر ومحيطها العربي والإقليمي والدولي يمكنها أن تواجه ظاهرة البطالة وكل ذلك بالإضافة لشيء مهم جدا هو التصنيع المنتج كثيف العمالة وليس الاقتصاد الخدمي المبني علي بناء فنادق ومنتجعات. *نحن تحدثنا كثيرا عن توفير فرص عمل. لكن هناك من يعمل ولا تتوفر له البيئة الملائمة للعمل وهناك فصل تعسفي انتشر بكثرة عقب الثورات العربية وهناك حقوق عمال مهدرة في الكثير من البلدان. أنتم ماذا ستفعلون تجاه كل هذه المشكلات؟ هذا إن حدث فهو بسببين إما الخلل في القوانين السائدة بالدولة وإما بسبب غياب مثل هذه القوانين. ولكن هناك اتفاقيات دولية منظمة في حدود220 اتفاقية لتنظيم كل علاقات العمل وهذه الاتفاقيات صادقت عليها كل دول العالم الأعضاء في منظمة العمل الدولية. ونحن كاتحاد أعضاء في منظمة العمل العربية ومنظمة العمل الدولية ونستطيع أن نقدم تقارير في أي بلد عربي لا يحترم هذه الاتفاقيات ونحن من ضمن تخصصنا مراقبة الحقوق والحريات النقابية في الوطن العربي. * هل الصراعات والحروب الأهلية التي تنشأ في بعض الدول يجعل من الصعب وجود آلية لمراقبة حقوق العمال فيها وبالتالي يصعب مساءلتها أمام المنظمة الدولية؟ طبعا بالتأكيد والدول التي تواجه نزاعات مسلحة عادة تعامل معاملة استثنائية لأن هذه الدول يصبح من أولوياتها هو تحقيق الأمن والاستقرار ومواجهة الجماعات التي عاثت بالأرض فسادا وليست متابعة تشريعات العمل وخلافه. *هذا يأخذنا أيضا لنظام الكفيل الذي يدعو الكثيرون لإلغائه أو حتي استبداله بنظام آخر. أنت كيف تراه؟ نظام الكفيل هو نوع من الضوابط لمنح تأشيرات الدخول والإقامة وأنت لو حسبتها بالمنطق ستجد أن أي مواطن عربي في أوروبا مثلا قبل أن يدخل يطلبون منه جملة من الطلبات ولا يعطونك تأشيرة دون توفير هذه الطلبات من بينها مثلا تأمين مالي من خلال شركة معتمدة وأن يكون لديك مبلغ مالي في البنك ومنها وجود ضامن أو شخص يعرفك هناك وهذا معمول به في أوروبا بصورة أسوأ وأقسي مما هو معمول به في بعض بلداننا العربية. ومع هذا عندنا بلدان الخليج تراجعت عن نظام الكفيل في السنوات الأخيرة والبحرين ألغته والكويت خفضت منه بشكل كبير والسعودية تنظر فيه ونظام الكفيل الهدف منه هو الحد من وفود العمالة بشكل غير منتظم. *لكن البعض يستخدمه بشكل سيئ؟ هذا يكون علي مستوي الأفراد فقط وانظر إلي نظام الكفيل القائم الآن مثلا في العراق وهي بلد موحد ولكن بفعل الأحداث الأخيرة قسم بشكل غير معلن فالمواطن العراقي من بغداد مثلا عندما يزور إقليم كردستان لا يستطيع الدخول إلا إذا كان له كفيل هناك رغم أنهما في الدولة نفسها وهذا بالحقيقة يشكل خطورة أكبر من مطالبة العامل بوجود كفيل. ولكن الخلل في نظام الكفيل وخاصة في السعودية هو أن الضامن نفسه هو من يتاجر بالعامل ويتقاسم أجره معه أو يجعله يعمل بالصخرة مقابل المأكل والمشرب وهذا مرفوض وهو يعد ممارسات فردية. *أنتم دائما تركزون علي المشروعات الصغيرة وهذا يأخذنا لمحور آخر مرتبط بتلك المشروعات هو رفض الشباب للعمل بالقطاع الخاص وانتظارهم للعمل الحكومي؟ بكل أسف هذه الثقافة السائدة لدينا وهي ثقافة مرفوضة وثقافة غير منتجة بأن يكون طموح شبابنا هو تحصيل فرصة عمل في إدارة أو مؤسسة رسمية رغم أن الدولة غير قادرة لاستيعاب كل الباحثين عن عمل خاصة وأن قطاعاتنا الاقتصادية تأثرت بالخصخصة ومعطيات العولمة الجديدة فأصبحت الخصخصة هي النهج السائد بدلا من اعتماد الدولة علي الاقتصاد الشامل. وأنا هنا أعيب علي مشروعنا التربوي والتعليمي ولذلك لابد من العمل علي خلق حالة من الوعي عند المواطن من صغره بحيث لا يعتمد علي الوظيفة الحكومية ولكن نعمله ونؤهله ونثقفه بحيث إنه عندما يتخرج يعرف أين هي فرصة العمل المناسبة له ولا يجب التسابق مثلا بأن يكون كل أبنائنا أطباء أو مهندسين بحيث نجد عدد الأطباء أكثر من عدد المرضي. *وكيف تنظرون إذن إلي ملف النقابات في مصر في ظل الاتهامات الموجهة للنقابات المستقلة بالخيانة والعمل ضد الدولة؟ بالنسبة للنقابات المستقلة في مصر نجد أنها برزت قبل الثورة وكانت جزءا من منظمات مجتمعية وليس تحت عنوان نقابات لأن القانون كان لا يسمح بذلك وزاد التوسع فيها بعد الثورة وهذا ما أطلقت عليه ليس في مصر فقط ولكن في كثير من البلدان العربية مسمي التعددية المنفلتة حيث إنها تعددية لا ينظمها قانون وتجد في مصر مثلا عددا كبيرا من الاتحادات المستقلة قائمة الآن ولكن لا يسمح بها القانون. وبكل أسف أقول إن كثيرا من هذه الاتحادات ربما قامت علي نوايا حسنة ونوايا صادقة ولكن تم التأثير عليها من أطراف خارجية. وانظر إلي قضية الشاب الإيطالي جوليو ريجيني الذي كان يعمل مع النقابات المستقلة وفتش عن دوره في مصر وعلينا أن نسأل ماذا كانت وظيفته في مصر قبل أن نسأل كيف مات.