الربيع هو طفولة الحياة. فما إن يرحل الشتاء برعده وبرقه وثلجه ويبدأ الدفء يتمشي في الشوارع والحقول حتي تخرج الكتاكيت الصغيرة من كل مخابئها.. أوراق الشجر من البراعم. والزهور من أكمامها.. والطيور.. والفراشات والنحل والعصافير ويمتلئ الجو بالصوصوات وبالعبير الذي كان مخبوءا.. طوال العام, ومع تفتح عناصر الطبيعة تتفتح القلوب.. قلوب الشباب المتعطشة للحب.. وقلوب الكبار المتعطشة لعودة الطفولة. فإذا عدنا إلي طفولة التفكير الإنساني, حيث كانت الحياة تفسر مظاهرها في أساطير جميلة علي شكل حكايات. نستحضر منها أسطورة الربيع أو آذار تقول الحكاية: إن آذار ربة الربيع خرجت ذات يوم مع ابنتها الجميلة تتمشي في فصل الربيع تستعرض مملكتها البديعة. وتصادف أن كان رب العالم السفلي يتمشي بعيدا عن عالمه المظلم.. حين رأي ابنة آذار فوقع في حبها من فوره حيث بهره جمالها وشبابها فخطفها ونزل بها إلي عالمه السفلي تحت الأرض في الظلام.. لم تره الأم التي بحثت عن ابنتها طويلا.. وأصابها الحزن لغيابها وتعاطفت معها كائنات الربيع فاختفت مظاهره. وطال بها الحزن حتي مر الصيف عليها دون أن تحس به ثم أتي الخريف بزعابيبه فأمعنت الطبيعة في تعاطفها مع الأم الحزينة وبدا ذلك في تخلي الأشجار عن أوراقها وقد أسقطتها صفراء نابلة تكنسها الريح.. وتتجعد معها سيقان النباتات الشابة.. ويبدو الجو كئيبا كابيا. وحين تيأس آذار يتحول حزنها بكاء حتي إن ما يحسبه الناس مطرا إن هو إلا دموعها وعلي غير موعد تعود الابنة للظهور ذابلة كالخريف أو كالشتاء ولتخبر أمها التي تحتضنها في فرحة غامرة بأن هاديز قد خطفها إلي عالمه السفلي في غفلة منها.. وتسألها الأم إن كانت قد تناولت شيئا من طعامه فتخبرها الابنة أنها أكلت فقط ست حبات من حب الرمان وهكذا أصبح عليها أن تعود إليه ستة أشهر كل عام هي شهور الخريف والشتاء حيث تحزن الأم لفراقها ثم تشرق عليها بعد ذلك في الربيع لتعود إلي الأم فر حتها وللطبيعة تألقها وهكذا تتوالي فصول العام. هذه هي أسطورة آذار الأم.. والتي تفسر لنا عودة الربيع كل عام كما تصورها القدامي وتفسر لنا أيضا اختيار هذا الوقت من كل عام عيدا للأم.. وهو في الحقيقة ليس عيدا لأمهاتنا فقط ولكنه عيد للأمومة في كل صورها.. بداية من الأم الأولي: الطبيعة.. ووصولا إلي أمنا جميعا مصر. فانتبه أنت في الربيع فافتح قلبك. وإلا فأنت ميت دون أن تدري.