أنا امرأة شاءت لها الأقدار أن تعيش سيناريو مؤلما قد يفوق في تفاصيله دراما الأفلام السينمائية ولكني علي يقين من أن الله سبحانه وتعالي لن يغلق باب رحمته في وجهي أنا التي لم تحفل يوما إلا بالدنيا ومغرياتها. أذلني الشيطان له وأنا بعد لم أتجاوز نعومة أظافري. كانت نشأتي في بيئة فقيرة إلي حد العوز فتولدت بداخلي قناعة أن المال الذي حرمتني منه الدنيا لهو الحل الوحيد لتغيير مجريات حياتي وبت أحلم بالرجل الثري الذي يمكنه أن ينتشلني من لجة الفقر هذه ويرتفع بي إلي آفاق الثراء ولم يكن يشغلني إن كان هذا المال يأتي من طريق حلال أو حرام. كنت واحدة من تسعة أبناء لوالدي أنا الوسطي بينهم.. لم أكمل تعليمي لضيق ذات اليد وكان حتما علي أن أخرج للعمل مثلي مثل شقيقاتي وأعطي ما أعمل به لوالدي يسد به أودنا ويكفينا ذل الحاجة وسؤال الناس. لم أطق هذه العيشة وراودتني نفسي بالهرب من هذه الشرنقة الخانقة وأنطلق إلي الدنيا الواسعة أبحث في رحابتها عن طاقة نور تقشع ظلمة الفقر في نفسي وكان هناك من ينتظرني ويفرش الطريق من أمامي ورودا حتي وافقته وهربت معه ولم أتجاوز من عمري منتصف العقد الثاني. أوهمني ذلك الشاب الذي تعرفت عليه أثناء عملي في خدمة البيوت فقد كان ابنا لواحد ممن عملت لهم أنه سيحقق لي كل أحلامي. خرجت معه وقد تجردت من كل شيء سطوة الأسرة وفقرها قيود المجتمع وأخلاقياته طرقت معه باب الشيطان فانفتح لنا علي مصراعيه. معه غادرت براءتي وبت امرأة له ولغيره سلعة رخيصة يحركها هو كدمية صماء يحترفها لعبة من ألعاب الماريونيت في شيطانية. سنوات مرت وهو يستعبدني ولا أحصل منه إلا علي الفتات و لكني كما تمردت علي واقعي وفقري تمردت عليه هو أيضا وغادرته كما غادرت أسرتي من قبل ومن رجل لآخر حتي احترفت إدارة نفسي وقادني جموحي لآفاق من الشر كثيرة ولقبت بين أقراني بالشيطانة الصغيرة لأني في وقت قصير حققت ثراء يفوق كثيرا ما كنت أحلم به وتشعبت علاقاتي بأناس لهم حيثياتهم وفر لي بعضهم الحماية من غدر الزمان لوقت كبير. ظننت أن الدنيا قد فتحت لي ذراعيها ولن تدير لي ظهرها ثانية رصيدي في البنك يتضاعف واستطعت أن أهيئ لنفسي غطاء اجتماعيا براقا من خلال محل للأزياء في مكان راق أعقد في ظله كل صفقاتي المحرمة. ولم تكتف شيطنتي باسترقاق نفسي والاتجار بها فلم أترك من الموبقات شيئا يدر مالا لم أعمل به.. سهلت لتجار المخدرات تجارتهم ووكنت وسيطا أو كمن يطلق عليهم ديلر وتوسطت لكثيرين في تخليص مصالحهم مقابل رشاوي مع الاحتفاظ بعمولتي. أطبقت علي الدنيا بكفة يدي الصغيرة وأعماني غرورها حتي تعثرت في شر ما أفعل وعرفت طريقي لسجن النساء بالقناطر لأول مرة. فقدت كل شيء وضاعت كل الأحلام ولم تسعني الدنيا بعد أن أفلتت من قبضة يدي غيره بقعة صغيرة معتمة أحتبس فيها. كان من الممكن أن تكون تجربة الحبس هذه فرصة أفيق فيها من غفوتي ولكنني ازددت شرا علي شري وبدلا من أن أقضي أيام سجني أجتر الدمع ندما وحسرة حتي أتوب تحول السجن إلي معهد للجريمة حيث تعرفت علي قوانين اللعبة وتدربت علي أربابها وخرجت إلي الدنيا مرة أخري أصارعها وتصارعني وعاد لي كل ما ضاع وأكثر ولكن شيئا ما وقع جمدني عن الشر وغير مني إلي حد العبث فبت لا أدري من أمر نفسي شيئا غير أني أريد أن أتطهر من آثامي واليأس يغللني ويمنعني من العودة إلي دنياي الأولي بلا شر. لم أعرف للدنيا مرارة غير الفقر إلا عندما داهمني مرض خبيث فرض سطوته علي أحشائي يفترسها يوما بعد يوم بلا رحمة. وانفجر بداخلي بركان خوف يزلزلني من الموقف الذي حتما سوف أقفه واقترب أمام المولي عز وجل كيف لي أن ألقاه وحملي أثقل من جبل ؟ قبل مرضي أعمتني الدنيا عن هذا الموقف ولم تقشع غشاوتها عني إلا وأنا علي أعتاب نهايتي. أنفقت مالي كله علي أعمال الخير وكأني أتخلص من أدراني عدت لأهلي ولكنهم لفظوني خشية العار بعد أن احتسبوني من الأموات. كل من حولي غادرني ولم تبق لي غير نفس آسفة بلا أمل وأنياب الردي تقترب مني شيئا فشيئا. أكتب لك من فراش آخرتي لعل بريقا من أمل يشرق في عتمة اليأس ويجيب سؤالي, هل لي أن أطمع في رحمة وغفران لم أحفل بهما يوما, هل يغلق الله بابه في وجهي أم أن أبواب الرحمة يمكنها أن تنفتح لأمثالي. ل م الإسكندرية رسالتك يا سيدتي ليست إلا صورة مفصلة لحكمة الغواية الشيطانية التي يقع فيها كل من ابتعد عن دينه وأخذته الدنيا بمباهجها وبريقها الزائف الغرور ولكن الحكمة من حكايتك وحكاية غيرك لا تكتمل إلا باليقين في رحمة الله التي تسع كل عباده بلا استثناء فالله جلت قدرته يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك به وصدق سبحانه وتعالي في محكم آياته من سورة الزمر عندما قال' قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلي ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون. أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين الآيات53 56. ولكي أن تيقني من رحمة ربك فهو لن يدعك ولن يغلق بابه في وجهك ما دمتي صادقة التوبة عاقدة النية علي ألا تعودي إلي ما كنتي فيه ثانية. أما أمر المرض فهو اختبار ومحنة عليك فيه الصبر ولعل الله يدلل لكي عن رضاه عنك بأن يخفف عنك العزاب بما تلقيه في الدنيا من ألم حتي تلتقيه وقد برئتي من كل أدران الذنوب.