بعد انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة قبل ثماني سنوات تصور العالم أن الولاياتالمتحدة تجاوزت الي الأبد مسألة لون البشرة وعقدة العنصرية التي سادت حتي تلك اللحظة, وتصاعدت حدتها في الستينيات وراحت ضحيتها أعداد كبيرة من السود خاصة القادة منهم وبشكل أخص ممن كان يدعو الي اللاعنف مثل مارتن لوثر كينج. ولكن ما حدث منذ انتخاب أوباما وخلال السنوات الثماني الماضية يؤكد علي أن الولاياتالمتحدة لم تتجاوز مشاعر العنصرية ضد الملونين وإنها لم تنحصر أبدا, بل مازالت موجودة في مكان ما داخل كل أمريكي علي مستويات مختلفة; بدءا من تزايد ممارسات الشرطة ضد السود أو كما يطلق عليهم الآن, أنهم الأفارقة الأمريكيون, بشكل أصبح منتقدا علي مستوي العالم, الي تزايد العنصرية والإفصاح عنها ضد أوباما نفسه, وأخيرا الإفصاح عن العنصرية داخل جهاز صناعة السينما الأمريكية وخاصة داخل جهاز صناعة ملوك السينما الأمريكية أي الأوسكار. قبل سنوات أنتقد الفنان الأمريكي الكبير مارلون براندو, هوليوود في حوار مع لاري كينج في برنامجه لاري كينج شو وقال إن الأفلام الأمريكية منحازة لليهود والبيض عامة, فهي تظهر دائما الصيني علي أنه عضو المافيا والأسود مجرم يعيش علي هامش المجتمع, والعربي غني فاسد, أما اليهودي فهو دائما الشخصية المثالية الذي يمثل الجانب الطيب ذي الأخلاق العالية. ولقد دفع مارلون براندو ثمنا باهظا جراء هذه الآراء, فقد شن اليهود الأمريكيون عليه حملة عنيفة دفعته الي الاعتذار عما قاله في نفس البرنامج. بالتأكيد هناك تغيير ما حدث في الأفلام الأمريكية منذ تلك التصريحات, فبدأ يظهر الأسود في أدوار مختلفة ليست بالضرورة لها صلة بلونه, مثلما كان في الماضي في أفلام مثل في دفء الليل وتري من سيأتي علي العشاء والي الأستاذ مع تحياتي; وبدأ الأسود يظهر في مناصب مختلفة سواء كان قاضيا أو شرطيا أو محاميا أو.. ولكن يظل في أعماق هوليوود شيئا من العنصرية دفعت الفنانين السود لنتقاد الأوسكار هذا العام لأنه يغيب عنه أي فنان ملون غير أبيض; ليعيد الماضي الي الأذهان حينما لم يتمكن الفنان الكبير سيدني بواتييه من الحصول علي الأوسكار عام1967 علي دوره في فيلم في دفء الليل وحصل عليه بدلا منه زميله في الفيلم رود ستايجر, مما أثار وقتها غضبا شديدا في جميع القطاعات. إن العنصرية مشاعر تظل راسخة في داخل النفوس مهما يبدي المرء غير ذلك, وتظهر في كلمة أو إجراء أو لفتة, ولن تختفي تلك المشاعر لمجرد اختيار رئيس ملون أو منح الأوسكار لفنان من أصل أفريقي; فإن المهم هو تغيير المشاعر, وهل ذلك ممكن بعد مئات السنين من العنصرية القاسية؟ بدءا من قسوة الأوروبيين الأوائل الذين اكتشفوا القارة الأمريكية ومارسوا مذابح جماعية ضد السكان الأصليين, مرورا بجلب الأفارقة من قلب أفريقيا ليباعوا كعبيد في أوروبا والقارة الأمريكية, وشن الحروب علي الجنس الأصفر والجنس العربي ومعاداة كل من يختلف شكله وفكره عنهم. والخطر هو أن العنصرية تفرز عنصرية مضادة, والكراهية تفرز كراهية مضادة, وتظل البشرية تدور في حلقة مفرغة لا تستطيع الخروج منها. إلا إذا قررت الأجيال التالية كسر هذه الدائرة المفرغة للخروج منها وتحقيق السلام الداخلي في النهاية.