عندما كنت صغيرا, كنت أجري, كنت ألعب, بينما مذياعي يضج كل يوم بأنباء عن القتال. لم أكن أعرف يومها معني القتال. كنت أتلقي دروسي في مدرستي بحر البقر الابتدائية. هادئ ساكن كل شيء حولي, ثم سمعت هديرا يصم الأذن لطائرات مسرعة, فانتقل بصري في فرح طفولي من كتاب اللغة العربية الجميل إلي نافذة الفصل التي بدون زجاج, لعلي ألمح طائرة, إلا أنني لمحت فجأة صاروخا انطلق ليدمر مدرستي. كنت لا أعرف لماذا ضربت مدرستي أنا بالذات؟ ولماذا قتل زملائي وزميلاتي؟ ولماذا قتل صالح زميلي في الفصل؟ الذي كان دائما أول الفصل. ولماذا قتلت وفاء التي تحب رسم علم بلادي؟ إلا أنني بدأت أعرف شيئا عن عدو غامض جبار... عدو غدار( كما قالوا عنه في قريتي). تخيلته بعيدا ككل شيء لا نتمناه, لكنه يقترب منا بطائراته ويحتل جزءا من بلادي... بلادي التي أحسست بها في النخيل من حولي وأرسمها في خريطة صغيرة في كراس الواجب الذي أصابته دماء إخوتي في الوطن. أصبحت صبيا كبيرا عندما هتف الراديو بأنا قد عبرنا القنال, وأننا قد انتصرنا. وأن وطني عاد ليمتد ثانية حاضنا بحب هائل جبهته الشرقية. أسرعت نحو صديقي المذياع ووضعته فوق أذني وابتسامة كبيرة كبيرة تضم كل شيء حولي.. ابتسامة فرح كوني تلميذا من بحر البقر الابتدائية. وفي بيت والدي الطيني ومن طاقة صغيرة في الحائط, التقفت يداي كشكول وفاء من بين عدة كشاكيل عليها بقع الدماء القانية الحمراء, وقد اختلطت بعلم بلادي ذي الألوان الثلاثة. عضو اتحاد كتاب مصر