كثرت الأقاويل حول الفساد وتغلغله في أوصال دولاب المحليات والجهود التي تبذل لمكافحته بل والمزايدات التي تملأ الشاشات الفضائية تشدقا وجدالا وفي النهاية لا يتجاوز أمر الإصلاح حدود التحاور بلا طائل. البعض يري الفساد منحصرا في الجهاز الحكومي دون أن يدرك أن بذرة الفساد لا تنبت إلا في أرض تصلح لذلك ومهيأة للإفساد. ما الفساد إلا سلوك يسكن قلوبا خربة قحلت من أي نبت إيماني يمهد لها طرق الهداية فأظلمت وتشعبت فيها الكراهية طمعا وسعيا في لهث شيطاني وراء الدنيا نتداعي علي بعضنا البعض آكلين لحوم بعضنا البعض نستحل دماء بعضنا البعض والأموال وبقايا الشرف استحلت واستبيح من أجلها كل شيء. ومن المظاهر المثيرة للدهشة أن ينصب البعض منا أنفسهم أوصياء علي غيرهم يرتدون عباءات الدين أحيانا ومسوح الملائكة تخفي في صدورهم قلوب الذئاب. وإذا كان علي الإنسان أن ينظر لنفسه بتأمل وعمق قبل أن ينتقد الآخرين في قول موليير فإن عليه أيضا أن يحدد لنفسه طريقا يتكامل مع الآخرين في البناء والتنمية لا التصارع علي هدف واحد غير مكتمل. وشيء من هذا يشبه الرحمة كقول ليو تولستوي علي الإنسان أن يكون رحيما, لأن الرحمة تجمع بين البشر, وأن يكون أديبا, لأن الأدب يوحد القلوب المتنافرة. ومن هذا المنطلق نري أن الخطوة الأولي هي تحديد اللبنة الأولي للفساد وهدمه من جذوره واستخلاص وجود علاقة سببية لعدم استقرار الأمن وفساد بعض الضمائر والذي حدده الله فقال- جل وعلا- في كتابه الكريم:{ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} سورة إبراهيم: الآية35, ثم في الآية الثانية:{ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر} سورة البقرة: الآية126. وهكذا لا ينفصل الأمن عن سوق الخلق ولا ينفصل الرزق كذلك. خالد حسن النقيب [email protected]