عانى المجتمع المصرى منذ قيام 25 يناير العديد من الظواهر الغريبة والجديدة عليه، لاقى بعضها قبولا لدى فئة معينة من المصريين، حيث كانت تلك الظواهر تتفق و"الجو الثوري" فسار وجود تلك الظواهر الغريبة شرعيا، ومن ثم تم الترويج لبعضها فأصبح لها جمهور ومؤيدون. من بين تلك الظواهر ظاهرة "السخرية" من أى شيء وكل شيء بغض النظر عما كان هذا الشيء جيدا أم غير ذلك، فمن تبنوا هذا الأسلوب وروجوا له يبدو انهم يمارسون السخرية لمجرد السخرية، وهو ما يعد انحرافا واضحا وصريحا عن الأهداف الأخلاقية وراء ممارسة الأسلوب الساخر. والسخرية تعد أحد علوم المسرح وتهدف أساسا إلى توجيه المجتمع إلى عيوبه لأجل تلافيها والعمل على إصلاحها، من هنا نظر العديد من العلماء والنقاد إلى عملية السخرية بالمسرح على أنها بمثابة نوع من النقد الإيجابى الذى يهدف ممارسوه لإعادة بناء المجتمع عبر هدم العادات والتقاليد المرفوضة. وذلك على اعتبار أن فى هذا النوع من السخرية لا يترك ممارسوها الجمهور دون تقديم البديل القويم المطلوب اتباعه، حتى لايبدو الأمر وكأنه مجرد عملية جلد للذات. وفى السنوات الخمس الأخيرة شهدنا تأسيس صفحات على الفيس بوك خصصت لنشر مواد مُصورة تحمل عبارات اختلفت فى درجة السخرية التى تحملها، ومع ذلك لم ينج مجال من مجالات الحياة فى مصر من تلك المواد الساخرة التى تُعرف بين مستخدمى وسائل الدمار الاجتماعى باسم "كوميكس" اى المضحكات. ففى الشأن السياسى تجد أصحاب تلك الصفحات يتنافسون فى إخراج الكوميكس بتوظيف بعض مواقف أو تصريحات صدرت عن شخصيات سياسية مهما كان المنصب التى كانت تشغله مرموقا، وبعض آخر أخذ على كاهله السخرية عبر الكوميكس التى تحمل محتوى متعلقا بشأن مرحلة التعليم الجامعى وما قبل الجامعى، حيث يهتم صانع الكارت الساخر بتصوير الأستاذ والطلاب فى مواقف عدة، غالبا ما يسخر فيها الطلاب من أساتذتهم. وبطبيعة الحال فهناك مجالات أخرى كثيرة تمارس عليها عملية السخرية كمجال الطب والعلاج كان له نصيب، ومجال المرور بما يميزه من أزمات رغم الجهود الدءوبة لضباط المرور، وغيرها كثير من مجالات الحياة. كانت تلك الكوميكس الساخرة ملهمة لبعض من مقدمى البرامج التى حملت الطابع الساخر الصريح وقد قصر بعضها مادته الإعلامية على قضايا مصر وواقعها السياسى، بينما جمع البعض الآخر فى مادته الاعلامية السخرية من أى شئ تصلح أو لا تصلح السخرية منه باستعمال ألفاظ وإيحاءات يُجمع كثير من مشاهدى المنازل على تخوفهم من تأثيرها المباشر على ثقافة وسلوك أطفالهم.هكذا باتت السخرية تعتبر كأحد معاول الهدم والتدمير، أصبحت تلك الثقافة مفروضة على المجتمع المصرى، إذ أنها تُحاصره بكافة وسائل التواصل السمعى والبصرى حاملة اليه عديدا من معاول الهدم فأصبح الجميع عرضة للإصابة بالإحباط والاكتئاب. الأمر الخطير فى هذه الظاهرة أن السخرية سواء عبر الكوميكس أو عبر البرامج الإعلامية الساخرة باتت تهزأ من الإنجازات والإيجابيات والمكتسبات بعد أن انتهت من التندر على العيوب والسلبيات والنواقص التى فشلت فى إصلاحها، مما يجعل وضع ظاهرة السخرية فى الميزان ضرورة، حتى لانصبح مجتمعا من الساخرين الذين يهدرون قيم الأشياء بلا طائل، فعلينا أن نعى ما تخفيه تلك الثقافة من اغراض سياسية تكون فى معظمها غير حميدة.