في المسائي أعاد مرسي عطا الله تشكيل تركيبتي الصحفية, فبعد ست سنوات من العمل في الصحافة النسائية,وهي صحافة تنتمي إلي عالم المجلات الأسبوعية, القائمة علي التحقيق والحوار بشكل أساسي, وبعد أن كنت أفكر دائما بعقل واهتمامات نسوية, وهنا لابد من توضيح,حيث تعتمد الصحافة النسائية في مصر والعالم العربي علي جهد الرجال وتفكيرهم, وإن كانوا يقولون أن وراء كل عظيم امرأة, فأنا أقول من واقع خبرتي ودراساتي في الماجستير والدكتوراة أن وراء كل مجلة نسائية ناجحة صحفي رجل. المهم كان لابد أن تتغير بوصلة حياتي الصحفية إلي الخبر الصحفي السريع, وهنا تأتي عبقريةمرسي عطا الله الذي استطاع أن يجعلني أشم الخبر حتي ولو كان علي بعد آلاف الأميال, أو أن أصنعه, حتي ولو كان متواريا بين مجموعة أوراق أحضرها زميل من شباب الخريجين الذين عملوا معنا. كنت أذهب إلي الجريدة وكنا نصدرها لمدة عام من صالة تحرير الأهرام يوميا من الساعة السابعة مساء, واستمر في العمل حتي العاشرة في صباح اليوم التالي,كانت الكتيبة الصحفية التي استعان بها رئيس التحرير من الزملاء في الأهرام, تضم الأساتذة: عبد اللطيف الحنفي, ولم يكن يحضر سوي الساعة الثانية عشرة ليلا,محمود معوض, الذي كان صانع معظم مانشيتات الجريدة في سنواتها الأولي,مدحت خطاب(دينامو السكرتارية الفنية)وكان يعاونه حسين جبيل ومصطفي بشندي رحمه الله, واشرف ندا,وعادل أمين الذي كان مسئولا عن الرياضة مع نصر القفاص, الذي لم يستمر طويلا, وأحمد موسي وكان يشرف علي الحوادث وحل محله محمد عبد الباري, ومحمد مطر, ومحمد منصور وكان مشرفا علي الأخبار, وسمير الشحات, ورسام الكاريكاتير القدير فرج حسن,ثم انضم إلينا من جريدة مايو حسين غيتة محررا للرياسة والدفاع, والمرحوم مراد عز العرب. كنت أجمع حصيلة ما توافر لدينا من أخبار, وأصعد إليه فيبرج الطابق الخامس, كنت أدخل له أحيانا وأنا مترددا,فلم أعثر علي تقرير أو خبر يصلح من وجهة نظري ليكون هو المانشيت, كان يبادرني بالسؤال يوميايا أبو السباع إيه المانشيت؟ وكثيرا في أيامنا الأولي ماكنت أقول له,مافيش مانشيت يشيل الجرنال النهارده!! لم يكن ينزعج, بابتسامته المعهودة, يرد:وريني عندك إيه,كان يقلب الأوراق بنظرة فاحصة متأنية, وفجأة أراه يمسك القلم الأزرق, ويسحب الورق الفلوسكاب المسطر, ويبدأ الكتابة, يربط بين أكثر من خبر, ويصنع منهما مانشيت جماهيريا,وبتواضعه, يقول خذ اقرأ المانشيت ده, واعتمده وابعته الجمع هكذا كان يفعل معي, حتي في مقالاته, لم يكن يستنكف أن نقرأ مقالته, قبل أن يدفع بها إلي المطبعة. كنت أحمل أخبار الصفحة الأولي ومن بينها المانشيت الذي خلقه تخليقا, وأهبط إلي صالة التحرير بالطابق الرابع,وأجلس لأري كيف صاغ المانشيت, وكيف رأي بحسه الصحفي الرابط والعلاقة التي لم أفطن إليها بين تلك الأخبار التي ضفرها في تشكيل إخباري,بمهارة القائد العسكري, الذي يعرف كيف يؤلف بين عناصر قواته المختلفة ويجعل منها جيشا يصنع النصر, ويغزو عقل وقلب القاريء. هكذا كنت أتعلم منه كل يوم, حتي وصل بنا الحال إلي صناعة أكثر من مانشيت في اليوم الواحد, وكنا أحيانا نجهز مانشيتات أيام مقبلة, وهذا ما جعل الأستاذ مرسي عطا الله يكتب لي إهداء في أول كتاب أصدره عن حرب أكتوبر بعد أن أصبح رئيسا لتحرير الأهرام المسائي, ومازلت حتي الآن أعتبر كلماته شهادة تكريم لي, كتب يقولإلي زميلي الأستاذ/ إسماعيل إبراهيم, الابن الذي أدهشتني عبقريته, وبهرني نبوغه.