لم أشعر بندم وتأنيب الضمير والإحساس بالتقصير..مثلما أحسست منذ عرفت خبر وفاة الكاتب الصحفي والناقد الفني الكبير الأستاذ( محمد سعيد), فمنذ أيام فوجئت بصديقي أنور عبد اللطيف مدير تحرير جريدة الأهرام, يتصل بي يلومني بشدة, لأنني لم أخبره بوفاة صديقنا المشترك عضو مجلس إدارة دار الهلال الأسبق,( محمد سعيد).. فكانت كلماته صاعقة هزت أعماقي, وزلزلت كياني, نعم كنت أعلم أن الأستاذ محمد سعيد كان مريضا, وكان ملازما للفراش في أحد المستشفيات الخاصة, ولكنني لم أكن أعلم أن الباقي من عمره لم يمهلني لأرد له واحدا من عشرة من اهتمامه بي وسؤاله الدائم عني وعن أفراد أسرتي الذين كان لهم في قلبه محبة خاصة. كم كان نبيلا ذلك الرجل عزيز النفس, كريم الروح, عف اللسان, صادق المودة والحب, كان محمد سعيد منذ أن عرفته في بداية الثمانينيات من القرن العشرين مثاليا في كل شيء, مثاليا في محبته ومودته للأصدقاء, مثاليا في حبه للصحافة, مثاليا في عشقه للمهنة, مثاليا في كراهيته للفساد والفاسدين, مثاليا في تفاؤله بالغد وحبه للإجادة, لم يكن الأستاذ محمد سعيد صحفيا عاديا, كان يملك ناصية المهنة, ويقطر قلمه حبا وأدبا جما, كان أصغر أعضاء مجالس إدارات الصحف سنا ولم يكن معينا وإنما جاء محمولا علي أعناق أبناء دار الهلال صحفيين وإداريين وفنيين. لم يكن الأستاذ محمد سعيد مجرد صحفيا تسكن الصحافة أعماق قلبه, ويحلل كل كلمة يكتبها بكامل عقله ووعيه, كان يجمع إلي حب الصحافة واحترافه للكتابة, عشقه للحق والحقيقة, لم يكتف بكونه رئيسا لقسم التحقيقات الصحفية وقسم الأخبار والمشرف علي قسم الشئون الخارجية بمجلة المصور, وكانت له من خلال ذلك مئات من مقالات التحليل السياسي والاقتصادي, ولكن حبه للفن, جعل منه ناقدا فنيا علي مستوي راق, كل مقالة كتبها في مجلة الكواكب في زاويته الأسبوعية وقفة تليفزيونية تنويعات إذاعية, ثم زاويةقراءة في صوتوكان يكتبها إسبوعيا ويتناول فيها بالتحليل أعمال نجوم الغناء, وكانت بمجلة فن اللبنانية..درس عملي تطبيقي في كيف يكون الناقد الحق, البعيد عن الفحش والمجاملة, يحلل العمل الفني بقلم رشيق, وكلمات مهذبة, جعلت منه صديقا مقربا لكل فنان حقيقي, ومنهم الفنانة الرقيقية شادية, التي كانت آخر صوت اطمئن عليه قبل رحيله بخمسة أيام. لم يكن محمد سعيد مجرد صحفي عادي, وإنما كان مشروعا حقيقيا لما يجب أن يكون عليه الصحفي المثقف الدارس, المطلع واسع الأفق.. كثيرة هي الكلمات التي يجب أن أكتبها عن هذا الصديق الأستاذ, الذي تعلمت منه الكثير, ولكن شعوري بالتقصير تجاهه وهو في مرضه الأخير, يبكي القلم ويدمع الكلمات, ويجعل الحروف تصرخ اعتذارا إليه.. صديقي الأستاذ محمد سعيد.. الذي خذلته ولم ألتقه قبل وفاته.. وأنت في علياء السماء.. إصفح عن تقصيري..وتقبل اعتذاري.. واحسن استقبالي يوم ألقاك.. فكم كنت دائما باشا, وكنت تلتمس لي الأعذار كلما غبت عنك.. رحمك الله رحمة واسعة.. فقد تركت مكانا وأناسا لم ينصفوك, ولم يعطونك ما كنت تستحقه من احترام وتقدير, ومكانة, وبخلوا عليك بالمشاعر, التي كنت تغدقها عليهم.. صديقي.. إليك في رحاب الله..كلمات لن تقول لي رأيك فيها كما تعودنا.. أعتقد بل وأكاد أجزم أنك الآن أفضل.. وفي المكان الذي تستحقه, فأنت بين يدي أكرم الأكرمين, الذي لا تضيع عنده الودائع.. رحمك الله يا أساتذي.. وسامحني؟. ** ولنا عودة لتكملة جرائم إسرائيل. [email protected]