هل أصبح القضاء في دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة لإيران مهددا بفقدان استقلاليته في مواجهة جبروت الجارة الفارسية اللسان والتاريخ والهوي والهوية؟ وهل تحولت أحكامه إلي قضية جدلية وموضوعا للمساومة الإقليمية ومادة للخلافات الدبلوماسية؟ وهل بات علي قضاة هذه الدول إجراء حسابات سياسية والأخذ في الاعتبار ردود أفعال جارتهم المستأسدة بقوتها العسكرية قبيل النطق بإدانة أي متهم لاسيما لو كان شيعي المذهب, حتي لو كان الاتهام الموجه له هو الخيانة العظمي والتجسس لحساب دولة أجنبية مثل إيران؟ ربما يكون هذا ما تسعي إيران النووية لفرضه بالفعل علي جيرانها العرب, خاصة بعد رد الفعل المتغطرس الذي صدر عن حكومة الملالي في طهران جراء تنفيذ المملكة العربية السعودية حكم الإعدام في نمر النمر الذي صدر عليه في أكتوبر2014 بتهمة إثارة الفتنة في بلدة العوامية بمدينة القطيف شرق المملكة ومحاولة مقاومة رجال الشرطة ومبادرته لإطلاق النار والاصطدام بإحدي الدوريات الأمنية خلال محاولته الهرب, فيما سبق اتهامه من قبل بالتحريض علي انفصال المنطقة الشرقية, والذي تم تنفيذه في الثاني من يناير الجاري, والذي بسببه تعرضت السفارة والقنصلية السعودية في كل من طهران ومشهد لهجوم غوغائي من جانب متظاهرين إيرانيين غاضبين أغلب الظن أنه تم بالتنسيق مع كل أجهزة الأمن الإيرانية, ليبدو أنه ردة فعل شعبية لا أكثر. وفي هذا الإطار حسنا فعلت إحدي المحاكم الكويتية منذ يومين حين أصدرت حكما بإعدام شخصين أحدهما إيراني هو عبدالرضا حيدر صدر عليه الحكم غيابيا نظرا لهروبه والآخر كويتي هو حسن عبدالهادي علي, وذلك من أصل26 شيعيا متهمين ب التخابر مع إيران وحزب الله اللبناني وبتهريب الأسلحة والتخطيط لتنفيذ تفجير, ولم تضع في حساباتها نفوذ ولا تهديدات جارتها المتجاوزة لكل المبادئ والقوانين والأعراف الدولية, كما أصدرت المحكمة في القضية نفسها, أحكاما متفاوتة بالسجن علي عشرين متهما من الخلية التي تم تفكيكها في أغسطس الماضي. مازالت تداعيات الأزمة الحادة التي افتعلتها طهران مع الرياض بسبب تدخل الأولي في الشئون الداخلية للمملكة تلقي بظلالها علي المنطقة بأسرها وتهدد بتفجر المزيد من المشكلات مع دول أخري, كلما تم ضبط محرضين أو متآمرين شيعة في إحدي دول الجوار, ومحاكمتهم وفقا للقانون, وذلك لأن إيران تعهدت منذ سنوات وفقا لمسئولين وخطباء وعلماء دين ودبلوماسيين إيرانيين لهم وضعيتهم في نظام الملالي بنشر الفوضي وعدم الاستقرار في الدول العربية السنية بهدف السعي لفرض هيمنتها عليها, ونشر المذهب الشيعي وحماية كل من ينتمي للمذهب من قريب أو بعيد باعتبارها حامي حمي الشيعة في المنطقة وربما في العالم. تجدر الإشارة إلي أن حيدر الإيراني الوحيد في المجموعة وفقا لحيثيات الحكم الصادر عن المحكمة الكويتية هو جاسوس قام بتجنيد22 عضوا من الخلية, وأمن لهم السفر الي لبنان حيث تلقوا تدريبات علي يد عناصر من حزب الله الشيعي المدعوم من طهران. أما علي فهو العقل المدبر للمجموعة, إضافة لكونه عضوا في حزب الله منذ1996, تواصل مع دبلوماسي في السفارة الإيرانية في الكويت, وسافر إلي الجمهورية الإسلامية حيث تواصل مع مسئولين في الحرس الثوري الإيراني. المحكمة أكدت أن علي نسق مع الحرس الثوري الإيراني لتهريب أسلحة ومتفجرات إلي الكويت, وقام بتخزينها في أماكن سرية بغرض التحضير لتنفيذ هجمات وتفجيرات إرهابية. ولعل الأحكام الإجمالية التي أصدرتها المحكمة الكويتية بحق أعضاء الخلية العميلة, والتي جاءت في موعدها المحدد وفقا للإجراءات القانونية والجدول الزمني الطبيعي من دون أي رابط بينها وبين أزمة إعدام النمر في السعودية, تعد اختبارا جديدا لسياسة الملالي الاستفزازية والعدائية تجاه جيرانها العرب السنة, في الوقت الذي غاب فيه رد فعل إيراني مماثل لما حدث في أعقاب الواقعة الأولي, وربما يعود إلي أن الحكم ابتدائي وليس نهائي, كما أن المتهم الإيراني هارب وليس رهن الاعتقال, كما أنه ليس من أصحاب العمامات البيضاء أو السوداء, بل مجرد جاسوس قام بمهمته وتمكن من الهرب, ولم ينفذ فيه الحكم, وفي كل الأحوال من المتوقع أن يكون رد الفعل الإيراني عنيفا لو لم يتمكن حيدر من الهرب أو تم تنفيذ الحكم فيه بالفعل, هذا إضافة إلي أن الإيرانيين يجيدون فنون المراوغة القانونية والدبلوماسية, ومن المتوقع أن يحاولوا دس أنوفهم من جديد في هذه القضية التي كشفت تورطهم في التجسس علي جارة مسالمة, وهو الأمر الذي ستكون له تداعيات أخري علي مستوي المحادثات الأمنية والدبلوماسية بين البلدين في وقت لاحق, فمحاولة إيران تهديد الأمن القومي للكويت بتجنيد وتدريب عملاء شيعة علي العمليات التخريبية لتنفيذ مخططاتها التي نجحت في غير دولة عربية سنية من قبل لابد أن يكون له وقفة بين المسئولين في البلدين, فكميات الأسلحة المضبوطة مع الخلية الإيرانية بلغت19 طنا من الذخائر, وكميات من المواد الخطرة شديدة الانفجار, وصواعق وقذائف صاروخية وقنابل يدوية وأسلحة لا تعبر بحال من الأحوال عن نوايا طيبة من جانب إيران تجاه جارتها الكويت.