وحيدة تمضي. مثقلة القلب ثقيلة الخطي. جاءت اللحظة التي كانت تفرق منها وتخشاها وتمنت لو أنها ماتت قبل حدوثها. هي بشر بها من البشر خوف من ألسنة غلاظ شداد سوف تنوش في سمعتها. إيمانها الراسخ الذي لا يتزعزع بأن الله لن يضيعها لا يمنع عنها ولا يتناقض مع خوفها مما سوف يقوله الناس عنها. كان أمر الله أن تحمل دون أن يمسها رجل فنفخنا فيها من روحنا أمرا مقضيا ليجعل منها ومن ابنها آية. مذعنة لإرادة ربها بالحمل من دون زواج توارت عن الأعين فانتبذت به مكانا قصيا. لكن لحظة المخاض قد حانت وسوف تستتبعها مواجهة البشر الذين انتبذت من دونهم هذا المكان القصي فيعاودها الخوف مما سوف يقولون. خطواتها ثقيلة من حملها الذي توشك أن تضعه وقلبها مثقل بالخوف والخشية رغم إيمانها الذي لا يهتز بالله لكنه الضعف البشري الذي لا خجل منه فتقول ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا يطمئن ملاك الرب من خوفها وخشيتها ألا تحزني. المخاض أجاءها الي جذع النخلة ربما لتحتضن الجذع بيديها وهي تبذل من الجهد ما تبذل كل أم وهي تضع وليدها. لا ماء ولا طعام في المكان الذي أجاءها إليه المخاض لكن عين الله الراعية غير غافلة عنها. يقول لها ملاك الرب قد جعل ربك تحتك سريا أي عين ماء. ويطلب منها الملاك أن تهز إليها بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا. من النخل باسقات طوال ومنه غير باسقات لكنه جميعا يتسم بأن أصلب ما فيه هو الجذع الذي يصعب هزه. كيف لامرأة قد وضعت للتو وهي في أشد حالات الضعف والوهن أن تهز إليها جذع نخلة وهو ما يعجز عن فعله أشد الرجال قوة. قد يكون من اليسير بعض الشيء هز ما ارتفع من النخلة عن الأرض مترين أو أكثر أما هزها من الجذع وهو ما يلامس الأرض فهو عسير. والأمر ليس فقط أن تهز جذع النخلة وإنما أن تهزه إليها أي ناحيتها حتي يتساقط الرطب بقربها وفي متناول يديها. هنا ختام المعجزة فيما يتعلق بمريم. هي عليها الفعل وهو محاولة هز الجذع أما القدرة علي أن تؤدي حركتها تلك في حالتها تلك الي أن تساقط النخلة عليها رطبا جنيا فهي من رب القدرة الذي يقول للشيء كن فيكون. وتأتي البشري من الله ألا خوف ولا تثريب فكلي واشربي وقري عينا. يصطفي الله من الملائكة رسلا ومن الناس لكن مريم مصطفاة مرتين.. اصطفاء اختيار أن تكون أما من غير زوج وقد طهرها الله نفيا لأي شبهة أو مظنة رجس ثم اصطفاء رفعة مقام وسمو علي كل نساء العالمين منذ حواء وحتي يرث الله الأرض ومن عليها. مقام لمريم يسمو فوق كل مقام. هي الأنثي الوحيدة التي ناداها الله باسمها وهو شرف لم تحظ به غيرها. وهي الأنثي الوحيدة التي سميت سورة كاملة في القرآن الكريم باسمها يتعبد بتلاوتها المسلمون في صلواتهم إضافة الي الذكر العديد لها ولابنها في سور كثيرة أخري. الأرض الوحيدة التي باركتها مريم وابنها عليه الصلاة والسلام خارج فلسطين كانت مصر لاجئين إليها هربا من هيرود.. وتاريخ مصر في احتضان الأنبياء طويل. كل عام وأبناء كنيستنا المصرية الوطنية بخير بمناسبة عيد الميلاد المجيد وكل عام ومصر بمسيحييها ومسلميها بخير. والسلام عليك يا مريم فكم عانيت.