يروق للبعض أن ينشر على الفيس نصيحة تحمل معنى دينيا وهذا فى حد ذاته أمر طيب يحمد لمن يقوم به إلا أن ذلك الأمر يتحول إلى خطأ شرعى فادح حينما يستشهد بآية أو حديث فى غير موضعه فيخطىء من حيث أراد أن يصيب ويأثم من حيث أراد أن يثاب ومن ذلك ما يتردد على صفحات الفيس والواتس من نصيحة تحث على الصبر على البلاء والثقة بالله وخاصة عند الكربات. ويستشهدون على ذلك بالسيدة مريم وما تعرضت له من ابتلاء واختبار فى حملها بعيسى عليه السلام ونجد المنشور كالآتى ( قالت مريم : " ياليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " ولم تكن تعلم أن فى بطنها نبى ... بعض الكربات قد تحمل فى طياتها كرامات .. فلا تيأس إن طال البلاء واجعل ثقتك بربك لا حدود لها ) إلى هنا انتهى المنشور والاستشهاد هنا بقول القرآن حكاية عن مريم الوارد فى كتاب الله تعالى " ياليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا" لم يكن لعدم علمها بأنها تحمل فى بطنها نبيا وذلك لأنها كانت تعلم بالمهمة التى وكلت إليها وبالاختبار الذى وضعت فيه وبالمحنة التى ستتعرض لها وبمكانة من تحمله فى بطنها لأن ذلك مما أخبرها به الروح الأمين جبريل عليه السلام. ((واذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ْ)) وقبل ذلك أخبرتها الملائكة أن الله اختارها لمهمة خاصة وهيأها لتلك المهمة (( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ* يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ )) ولما جاءها جبريل أخبرها بالأمانة التى ستحملها وأعلمها أن غلامها سيكون نبيا يحمل رسالة ربه فقال (( وَرَحْمَةً مِنَّا)) أي: ولنجعله رحمة منا به، وبوالدته، وبالناس وتعنى رحمة الله به ، ما خصه الله بوحيه ومن عليه بما من به على أولي العزم من الرسل وتأتى ساعة الميلاد والتى لم تسجل تفاصيلها بهذا الشكل لأى مخلوق على ظهر الأرض سوى نبى الله ورسوله عيسى عليه السلام قال تعالى )) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ْ)) فلما حملت بعيسى عليه السلام، خافت من الفضيحة، فتباعدت عن الناس ( مَكَانًا قَصِيًّا ْ) فلما قرب موعد ولادها، ألجأها المخاض إلى جذع نخلة، فلما آلمها وجع الولادة، ووجع الانفراد عن الطعام والشراب، ووجع قلبها من قالة الناس، وخافت عدم صبرها،وخافت ضعفها عن تحمل الأمانة أو تراجع نفسها عن تحمل المهمة التى وكلت إليها تمنت أنها ماتت قبل هذا الحادث، وكانت نسيا منسيا فلا تذكر. أما موعد وتوقيت مولد المسيح ففيه أقوال عند العلماء فالبعض يراه فى الصيف حيث تحدثنا الآيات أن الله تعالى أمرها بأن تهز جزع النخلة تساقط عليها رطبا جنيا والرطب لايكون موسمه شتاء ولا يوجد الرطب إلا فى الأجواء الحارة ومنهم من يستدل أيضا بما ورد فى العهد الجديد عن لحظة ميلاد المسيح مما ورد في إنجيل " لوقا " حكاية عن ميلاد المسيح عليه السلام : " وكان في تلك الكورة رعاة متبدين ، يحرسون حراسات الليل على رعيتهم ، وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب حولهم ، فخافوا خوفاً عظيماً ، فقال لهم الملاك : " لاتخافوا ، فها أنا أبشركم بفرح عظيم ، يكون لجميع الشعب ، إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح " . ومعنى ذلك : أن يكون الميلاد في وقت يكون الراعي فيه ممكناً في الحقول القريبة من " بيت لحم " المدينة التي ولد فيها المسيح عليه السلام ، وهذا الوقت يستحيل أن يكون في الشتاء فتكون ولادته صيفا حيث موسم الرطب وتواجد الرعاة فى الحقول. أما من يقول بأن ولادة المسيح كانت فى الشتاء فيرى أن وجود الرطب من الكرامات والآيات التى خص الله بها ميلاد المسيح تثبيتا لقلب مريم وتأييدا لها . فقالوا كان الأمر كرامة من الله تعالى في إيجاد تلك الثمرة في غير موسمها ، كما أجرى الله تعالى الماء من تحت مريم وقت ولادة ابنها عيسى عليه السلام ، وكما أنطق الله تعالى ابنها وهو طفل صغير. قوله تعالى : ( وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً ) لم يصرِّح جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة ببيان الشيء الذي أمرها أن تأكل منه ، والشيء الذي أمرها أن تشرب منه ، ولكنَّه أشار إلى أن الذي أمرها أن تأكل منه هو : " الرطَب الجني " المذكور ، والذي أمرها أن تشرب منه هو النهر المذكور المعبر عنه ب " السري " . وقال بعض العلماء : إن جذع النخلة الذي أمرها أن تهز به : كان جذعاً يابساً ؛ فلما هزته جعله الله نخلة ذات رطب جني . وقال بعض العلماء : كان الجذع جذع نخلة نابتة ، إلا أنها غير مثمرة ، فلما هزته أنبت الله فيه الثمر ، وجعله رطباً جنيّاً . وقال بعض العلماء : كانت النخلة مثمرة ، وقد أمرها الله بهزها ليتساقط لها الرطب الذي كان موجوداً . والذي يُفهم من سياق القرآن : أن الله أنبت لها ذلك الرطب على سبيل خرق العادة ، وأجرى لها ذلك النهر على سبيل خرق العادة ، ولم يكن الرطَب ، والنهر ، موجودين قبل ذلك ، سواء قلنا إن الجذع كان يابساً ، أو نخلة غير مثمرة ، إلا أن الله أنبت فيه الثمر ، وجعله رطباً جَنيّاً ، ووجه دلالة السياق على ذلك : أن قوله تعالى : ( فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً ) يدل على أن عينها إنما تقر في ذلك الوقت بالأمور الخارقة للعادة ؛ لأنها هي التي تبين براءتها مما اتهموها به ، فوجود هذه الخوارق ، من تفجير النهر ، وإنبات الرطب ، وكلام المولود : تطمئن إليه نفسها ، وتزول به عنها الربية ، وبذلك يكون قرة عين لها ؛ لأن مجرد الأكل والشرب مع بقاء التهمة التي تمنت بسببها أن تكون قد ماتت من قبل وكانت نسياً منسيّاً : لم يكن قرة لعينها في ذلك الوقت ، كما هو ظاهر ، وخرق الله لها العادة بتفجير الماء ، وإنبات الرطب ، وكلام المولود : لا غرابة فيه ، وقد نص الله جل وعلا في " آل عمران " على خرقه لها العادة في قوله (( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ((.جعلنا الله وإياكم ممن يرزقهم بغير حساب