وجه عربي أصيل تكسوه مسحة لطيفة من شمس إفريقيا السمراء. حوراء لم تر عيني أجمل من عينيها, حبتان بلون البندق, لامعتان, واسعتان, صافيتان, لوزيتان. طويلة كرمح شرقي قد من صوان. مشدودة كوتر في قوس رام أوشك سهمه أن يفارقه صوب الطريدة. أبية, كجواد جبلي فتي أصيل استعصي علي الغرباء. من لون شعرها صبغ المساء لياليه, ومن ذهب رملها لونت الشمس أشعتها, ومن بهاء وإشراق وجهها ابتسم القمر واستدار. جلست بين يديها استقبل العام الجديد. عيناي لا تغادر عينيها. تدفئني أنفاسها. يشبعني طعامها. يرويني ماؤها. تطمئنني سكينتها. تمددت علي ترابها. أرحت رأسي علي صدرها. توحدت في نيلها. مددت ذراعاي ملء الأرض والسماء, استحالا فرعي نيل يتدفق فيهما شلال الحياة, يرتوي الأطفال والكبار, يلبس الأرض معطفا أخضر, تطل النباتات برأسها من بين الشقوق, تتمايل السنابل طربا وفرحا, تضيق المحروسة بأجران القمح وعقود الياسمين. في انتظار ميلاد عام جديد. نبتهل إلي رب السماء أن يكون عام خير وأمان. عام حب ووئام. يغمرنا تفاؤل, وتمتلئ قلوبنا بالصدق والإخلاص. تتجدد فينا الأحلام. تتبدد من حولنا الأوهام. وبقدر الإخلاص والعمل تتشكل الأيام. تزهر أو تجدب. نحبها أو نكرهها. إيه يا وطني المصلوب علي بوابة الانتظار والتردد. كم عانيت, كم قاسيت, وأبدا ما اشتكيت. تحتضن بنيك, فراخا صغارا بلا ريش, بلا مناقير, تتعثر خطاهم, ضعاف بلا حول ولاقوة. تغمرهم بدفئك, بحنانك, برعايتك, حتي إذا ما شبوا, تفرقت بهم السبل وتركوك قائما. برغم الإرهاب سوف نغني لغد يعم فيه السلام, تبني فيه العصافير أوكارها ولا تخشي رصاصة غدر. سوف نغني لغد تصدح فيه المساجد والكنائس بترانيم السلام. يشبك قس وشيخ كفيهما ويرددان معا تراتيل الصباح وتسابيح المساء. سنمشي معا, قدم علي قدم, وصوت علي صوت, وعندما يحين أوان الرحيل سوف تردد المآذن نداء الحياة الله أكبر بينما يتداعي في الفضاء صدي أجراس الكنائس. برغم الشهداء وبرغم الجرحي, سيأتي غد نمسح فيه دموع اليتامي, والثكالي, والمكلومين. غد نمسك فيه بيد اليتيم, حتي لا ينسي الأب. نقبل جبين الثكلي حتي لا تنسي الابن. نقف إلي جوار أرملة, حتي لا تنسي الزوج. يصبح وطني أبا, وأما, وزوجا, وابنا. سيأتي غد تتفتح فيه زهور المدارس عناقيد حب وخير وضياء, وتلهو فيه الفراشات بخيوط الشمس. غد نمسكه بين أيدينا حاضرا لا يغيب. برغم الصعاب, برغم المشاق, برغم التعب يتدفق عطاؤك يا محروسة شلال خير. من أين جئت بكل هذا العطاء, من أين جئت بكل هذا الكبرياء. هل قدرك أنك أنت الكبري, هل قدرك أنك أم الدنيا. إيه يا وطنا صار هواء نتنفسه. وصلاة مقدسة نقيمها. تسبيحتي أنت, قبلتي أنت. عطر فمي أنت. ها هي المحروسة تشرق كل صباح, سخية مثل غيمة شتاء, نقية مثل غيمة صيف, يختفي وجهها خلف ابتسامة العطاء, تبحث عن يد تبني, عن قدم تسعي للخير, عن قلب حليبي مخلص, عن ساعد قوي يصد ويرهب, عن أذن خير, عن لسان حق, عن قلم صادق, عن عين الحقيقة ولا شيء سواها. نعم, من حر آهات العطاش سيبزغ الفجر الجديد, من حر آهات العطاش سيبزغ الأمل الجديد, وها هي المحروسة تغمس إبهامها في طمي النيل وتكتب علي ستائر الشمس كل صباح طوبي للمخلصين, طوبي لمن حفظ الوطن. حفظ الله الوطن. [email protected]