النهج الإسلامي الأصيل الرجوع لأهل العلم لطلب الإفتاء الشرعي من لدن سيدنا محمد رسول الله- صلي الله عليه وسلم- فقد تولي الله- عز وجل- بنفسه إفتاء عباده:( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن)127 النساء( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة)167 النساء , وتولاه سيدنا محمد رسول الله- صلي الله عليه وسلم- وكان ذلك من مقتضي رسالته, حيث كلفه الله- عز وجل- بذلك وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم ولعلهم يتفكرون44 النحل, وتولي هذه المهمة كبار الصحابة- رضي الله عنهم-, وأهل العلم من بعدهم إلي ماشاء الله- تعالي- وتطبيقها علي أفعال الناس, فهي قول علي الله- تبارك وتعالي- ولذا شبه القرافي المفتي بالترجمان عن الله- سبحانه وتعالي-, وجعله ابن القيم بمنزلة الموقع عن الملك, ونقل عن ابن المنكدر: العالم بين الله وخلقه, فلينظر كيف يدخل بينهم. وتحفل المصنفات الفقهية المعتمدة بفقه الفتوي. إذا علم هذا: فإن اثنين منسوبين إلي العلم أولهما تخصصي في الفقة الإسلامي المقارن بجامعة الأزهر الشريف, وثانيهما من أئمة مساجد بوزارة الأوقاف يتبنيان دعوة عدم مرجعيات فقهية للإفتاء, وترك أمور المسائل والأسئلة حسب انتقاء عوام الناس حسب الأهواء دون إعتداد ولا اعتبار بالتراث الفقهي ولا فقهاء المسلمين, وتترك الأمور كلأ مباحا لمن يعقل- وما أقلهم- ومن لايفهم- وما أكثرهم. واستند متخصص الفقة المقارن الداعي لإلغاء الافتاء الشرعي إلي خبر استفت قلبك وعليه ينبغي الفهم السليم لهذا الحديث النبوي سندا ودلالة. نص الحديث النبوي: عن وابصة بن معبد- رضي الله عنه- أتيت رسول الله- صلي الله عليه وسلم- فقال: جئت تسأل عن البر؟ قلت: نعم, فقال: استفت قلبك, البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب, والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك. سند الحديث: يعزي الحديث لأحمد والبزار والطبراني والدارمي ولأبي يعلي وفي إسناده ضعف فهو حسن لغيره. وجه الدلالة: مفهوم استفت قلبك: قال الإمام أبو حامد الغزالي- رحمه الله تعالي-: لم يرد أن رسول الله- أن كل واحد يستفتي نفسه, وإنما ذلك لوابصة في واقعة تخصه- أي واقعة عين لاتتعدي لغيره- لأن الله- عز وجل- وهب له نورا يفرق به بين الحق والباطل, فوثق النبي- صلي الله عليه وسلم- بذلك النور, وخاطبه بذلك, وهذا من جميل عوائده مع أصحابه- رضي الله عنهم- فإنه كان يخاطب كلا منهم علي حسب حاله, ويلحق به كل من شرح الله- عز وجل- صدره بنور اليقين, بحيث جعل له ملكة الإدراك القلبي, وقوي علي التفرقة بين الوارد الرحماني والوسواس الشيطاني. إن الإرشاد استفت قلبك لمن رزق اليقين ونور القلب ورجاحة العقل. الخبر ليس عاما ولا مطلقا وليس قاعدة شرعية. مايلزم المستفتي إن اختلفت عليه أجوبه المفتين. إن اتفقت أجوبة المفتين فعليه العمل بذلك إن اطمأن إلي فتواهم. إن اختلفوا: ذهب جمهور الفقهاء: الحنفية والمالكية وبعض الحنابلة, وابن سريج والسمعاني والغزالي من الشافعية إلي أن العامي ليس مخيرا بين أقوالهم يأخذ بما شاء ويترك ماشاء, بل عليه العمل بنوع من الترجيح, وذهب الأكثرون منهم إلي أن الترجيح باعتقاد المستفتي في الذين أفتوه أيهم أعلم, فيأخذ بقوله, ويترك قول من عداه. وقال الشاطبي: لايتخير, لأن في التخيير إسقاط التكليف, ومتي خيرنا المقلدين في اتباع مذاهب العلماء لم يبق لهم مرجع إلا إتباع الشهوات والهوي في الاختيار, ولأن مبني الشريعة علي قول واحد, هو حكم الله في هذا الأمر. هذه حقائق استفت قلبك المفتري بها وعليها!. والله- عز وجل- الهادي إلي سواء السبيل. استاذ الشريعة الاسلامية بجامعة الأزهر