وثيقة الخرطوم التي تم اعلانها أمس الأول الثلاثاء19 ديسمبر بشأن ازمة سد النهضة, والتي صدرت في ختام الجولة الثانية من اجتماعات اللجنة السداسية, ليست بوثيقة. بل هي أقرب الي بيان ختامي او محضر اجتماعات يدون ما اتفق عليه الاطراف الثلاثة, وهو ليس بالشيء الكثير. ولنلق نظرة علي ما يسمي وثيقة لكي نجد ان البند الأبرز الذي يتم تداوله في الإعلام يشير الي التزام إثيوبيا الكامل بما تضمنته الاتفاقية في البند الخامس في إعلان المباديء, الموقع من رؤساء الدول الثلاث في مارس الماضي. وهذا أمر مثير للدهشة والتساؤل, فقوة الزام اعلان المبادئ تنبع من توقيع الرؤساء عليه, ولا تحتاج الي تأكيد لاحق من وزراء الخارجية وهم في مستوي أدني من الرؤساء.. والا فان مصداقية اعلان المبادئ نفسه تصبح محل شك, وبالتالي يكن هناك احتياج مستمر لعقد اجتماعات متلاحقة لمجرد تأكيد الالتزام بالبند الفلاني أو البند العلاني, دون الدخول الي تطبيق البنود نفسها.. خاصة ان المطالب المصرية كانت تتركز في ضرورة تطبيق البند الخامس واحترام مضمونه, لا سيما انه ينص بالحرف علي تستخدم الدول الثلاث, بروح التعاون, المخرجات النهائية للدراسات المشتركة في الاتفاق علي الخطوط الارشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة والتي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة, بالتوازي مع عملية بناء السد. غير ان ما حدث هو استباق اثيوبيا لاجتماعات الخرطوم وإعادة تحويل مجري النهر لكي يمر من خلال بوابات وسحارات السد, والاصرار علي الاستمرار في البناء بوتائر متسارعة دون ان تكون الدراسات قد بدأت حتي الان وهذا من الناحية العملية يعني تجاوز البند الخامس وعدم الالتزام به. ومع ذلك فقد كانت الغنيمة هي تاكيد علي الالتزام بالبند من خلال تلاعب لفظي بان الملء لن يحدث الا بعد ثمانية اشهر وهي الحد الادني الجديد لظهور نتائج الدراسة المائية. ونلاحظ هنا ان إثيوبيا سوف تبدأ الملء في وقت محدد سلفا ويتزامن مع الفيضان القادم, في حين ان انتهاء الدراسات والاتفاق علي نتائجها لا يمكن ضبطه ببرنامج زمني مسبق لاسباب عديدة.. حيث تثور مجموعة من التساؤلات: هل سوف تنتهي الدراسة في الوقت المحدد, ام ان هذا امر قابل للتسويف والتمديد؟ لاسيما ان عمل المكاتب الاستشارية يمكن ان يتعطل لأسباب عدة منها توافر البيانات ودقتها في الوقت المحدد, وأيضا اتفاق الاطراف الثلاثة علي هذه البيانات.. واذا تم انجاز ذلك, فماذا سيكون عليه الحال اذا حدث خلاف علي النتائج؟.. الاجابة ان ذلك هو السيناريو المتوقع خاصة ان هناك اتفاقا مسبقا انه في حالة الخلاف يتم اللجوء الي مكتب عالمي لتحكيم النتائج.. فإذا تجاوزنا هذه المرحلة فسوف ندخل إلي جدل لا نهائي حول التزام اثيوبيا بالنتائج أو( احترامها) لأن الاتفاق هو علي تجنب حدوث ضرر بالغ أو ذي شأن, وليست هناك مرجعية أو اتفاق اجرائي علي تعريف هذا المصطلح, الذي يمكن لكل طرف ان يراه علي هواه.. وبالتالي يتم الدخول إلي جدل جديد لا يمكن الزام الطرف الاثيوبي بمقتضاه بأي التزام واضح او محدد. لقد عدنا بخفي حنين.. ويراد أيضا أن يتم تسويق ذلك بوفود برلمانية وشعبية للفرجة علي السد وتقديم التهنئه للإدارة الإثيوبية بنجاحها في تحقيق كامل أهدافها..