أصوات المحتفلين تعلو في وسط المدينة ابتهاجا بأعياد الكريسماس, وبائعون جائلون يستقبلونهم في كل مكان.. فتخرج يد صغيرة وسط هذا الزحام ممدودة بالورود, وخطوات طفولية مرتجفة وعينان دقيقتان ممتلئتان بالبراءة, وثغر صغير تآكلت أسنانه من مرض السكر.. ورد يا آنسة.. فرحيني وخديه. هكذا استقبلنا حسن بائع الزهور ذو العشر سنوات, لم يوقفه مرضه أو صغر سنه عن التعليم بالرغم من احتياجه لوالديه اللذين أنهيا رسالتهما في الحياة قبل أن يبدآها لينتقل للعيش مع جده الذي يبلغ من العمر ستين عاما في دنياه الصغيرة.. هو لاقي ياكل؟! هكذا كان جواب حسن علي سؤال: لماذا لا ينفق عليك جدك؟ يبدأ الفنان الصغير يومه في كل صباح بجلب الورود.. وبيده الصغيرة يرتبها وينسق ألوانها في لفة محترفة لا تصدق أنها من هذا الصغير, ثم يبدأ رحلته في المساء متجولا في أرجاء العاصمة, حاملا باقة الزهور ليتراقص ويتغني علي ألحانها: يا ورد مين يشتريك.. ده العمر حزن عليك. حسن ينظر إلي المارة متوسما فيهم أن يأخذوا منه هذه السلعة التي يفوح أريجها, فمنهم من ينصرف عنها ومنهم من تجذبه هذه الرائحة ليخرج أمواله مشفقا عليه فيأخذه فرحا لجمع قوت يومه. لم تقف إرادة الصغير أمام تلك الصعاب فقط بل صمدت أمام الطامعين فيه الذين قد نزعت من قلوبهم الرحمة ولم تأخذهم به الرأفة فيسرقون ما سهرت عليه عيناه متجولا طوال الليل, فيقول منكسرا: حسبي الله ونعم الوكيل. تأتي لحظات الراحة التي يسرقها الصغير ليلتقط أنفاسه في إحدي الأزقة هاربا من برد الشتاء القارص, وفي محاولة منه للتخفي من قطرات المطر المتعاركة التي قد تفسد أزهاره وبعد هدوء تلك الأمطار يبدأ متعجلا بإخراج الكتاب من حقيبته الصغيرة التي يجمع فيها الأموال لينجز فيه واجباته المدرسية, قائلا: علي فكرة أنا شاطر وبعرف أقري واكتب, فيبدأ حسن بقراءة إحدي اللافتات ليثبت مهارته في القراءة, فأخذ هذا الفك الصغير يتلعثم حتي بلغ الجملة.