نادت السيدة السمراء علي أحفادها كل باسمه، ومن لم يرد، تصرخ ثانية باسمه، فاذا بأربعة زهور يقفزن أمامها.. قفزت الفرحة في أعينهم حين رأوا شوال الدقيق، وصفيحة «السمن» الكبيرة، والعجوة، ورائحة الكحك، والصاجات.. كل شيء معد، لا ينقصهم سوي ان يشمروا عن ساعديهم الصغيرة ويبدأوا. . اكتفي الصغار بالاجابة، كأنهم فهموا ما تعني تماما.. شمروا الأكمام، وبدأت خلية النحل تعمل.. الجدة لا تبرح مكانها، فقط تعطي الأوامر.. هات المية.. ناوليني علبة السمن.. هات الكيلة علشان «اعاير» الدقيق.. ساعتين وبدأت رائحة الكحك تملأ المكان، وبدأت القرية كلها تفوح منها رائحة الكحك، والمنين، والفطير الطري، والعروسة والحصان يرقصان في الصاج. بينما الجنود الصغار ينتظرون آذان المغرب حتي يلتهم كل واحد منهم العروسة والنجمة والحصان التي صنعها بنفسه ولنفسه. انتهت ساعات نهار آخر يوم في رمضان والجدة تتراقص في عينيها دموعا لا تريد ابداً ان تسقط، تقاومها بابتسامة في وجوه الزهور التي ترقص حولها. أذن مغرب اليوم الأخير، والكحك والمنين والفطير الطري بدأ يبرد فوق الصاج.. قامت الجدة وزهورها ليرصوا صناعتهم في سبت، وآخر في اطباق بلاستيكية كبيرة وصغيرة.. غطت الجدة منتجاتها، بينما الزهور ترقص بعرائسها وحصانها والنجوم المملوءة بالعجوة، وبات المنزل كأنه لوحة فنية ناطقة ومتحركة. لم تنم الجدة ولها اسبابها اما الزهور فقد احتضن كل واحد منهم ملابسه الجديدة التي اصر الجد علي شرائها كاملة، وخلدوا الي النوم «بالعافية» عل العيد يأتي سريعا. بعد انتهاء صلاة العيد، صاحت الجدة: يلا يا عيال نروح لأبوكم علشان نفطر بالكعك والمنين والفطير الطري معاه.. لم تلفت الكلمات نظر اي من الموجودين.. الجد والجدة والزهور، حتي الزوجة الشابة «الراقدة» منذ مذبحة الفرافرة لم تستغرب شيئا.. فقط قامت تستند علي اعمدة السرير.. ارتدت عباءتها السوداء واتشحت بالطرحة، واصبح الكل جاهزا للافطار مع الابن. وفي طريقهم إلي مقابر الاسرة كانت البلدة كلها «تقريبا» تحمل كحكها وبسكويتها وفطيرها الطري، والبعض الآخر تولي احضار عدة الشاي والحليب للافطار مع الأبناء شهداء الفرافرة. كل الذاهبين الي المقابر علي قناعة تامة أن شهداءهم احياء يرزقون، وان افطار اول يوم في العيد لابد ان لا تنقطع عادته.. بينما الدموع التي تتراقص في العيون ابدا لم تسقط، والزهور ترقص في فرح وقناعة ان والدهم الشهيد يأكل ما صنعوه ويضحك مع كل ضحكة تصدر منهم.