ومن سمات منهج النبي صلي عليه وسلم في التعليم: مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين, ومن مظاهر ذلك غير ما سبق: رفع الصوت علي قدر الحاجة الداعية لذلك, مثل: بعد المتعلمين أو كثرتهم, أو خطورة ما يعلمه لهم وأهميته, والأدلة علي ذلك كثيرة منها: الدليل الأول: ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه, في كتاب: العلم, باب: من رفع صوته بالعلم, عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: تخلف عنا النبي صلي الله عليه وسلم في سفرة سافرناها, فأدركنا, وقد أرهقتنا الصلاة, ونحن نتوضأ, فجعلنا نمسح علي أرجلنا فنادي بأعلي صوته: ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا. ففي هذا الحديث يرفع النبي صلي الله عليه وسلم صوته بقوله:( ويل للأعقاب من النار), ويكرر ذلك مرتين أو ثلاثا, للتأكيد, والتحذير, والأهمية. الدليل الثاني: ما أخرجه الائمة, وفي مقدمتهم: الإمام أحمد رحمه الله في مسنده بإسناد حسن من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أنذرتكم النار, أنذرتكم النار حتي لو كان رجل في أقصي السوق, وسمع أهل السوق صوته صلي الله عليه وسلم, وهو علي المنبر. وفي هذا الحديث ينادي النبي صلي الله عليه وسلم بأعلي صوته:( أنذرتكم النار) مع إعادته, لخطورة الأمر. ومن معالم منهج النبي صلي الله عليه وسلم في التعليم أيضا: إعادة الكلام وتكراره حسب ما تقتضيه الحاجة, لأمور من أهمها: الأمر الأول: إفهام المتعلمين. والأمر الثاني: كي يدرك كل منهم ما يقوله النبي صلي الله عليه وسلم حتي لا يفوت أحد منهم بعضه. والأصل في ذلك: ما رواه الإمام البخاري في صحيحه, في كتاب: العلم, باب: من أعاد الكلام ثلاثا, ليفهم عنه, بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه, عن النبي صلي الله عليه وسلم: أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا, حتي تفهم عنه, وإذا أتي علي قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا. ومما لا ريب فيه أن التكرار يفيد في العملية التعليمية, فهو يؤدي إلي استقرار الأفكار, وتثبيتها في أذهان المتعلمين, ولذا كان يكرر النبي صلي الله عليه وسلم الكلام ثلاثا. ومن حرص النبي صلي الله عليه وسلم علي إفهام المتعلمين: أنه صلي الله عليه وسلم لا يستعجل الحديث بعضه إثر بعض, لئلا يلتبس علي المتعلم, بل إنه صلي الله عليه وسلم كان حلو المنطق, عذب الألفاظ, جهير الصوت, حسن النغمة, واضح الكلام, فإذا تكلم النبي صلي الله عليه وسلم فكلامه فصل بين, كأنه خرزات نظمن, فيسهل علي من سمعه أن يحفظه. ويؤيد ذلك: ما رواه الإمام البخاري في صحيحه, في كتاب: المناقب, باب: صفة النبي صلي الله عليه وسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يحدث حديثا لوعده العاد لأحصاه. وفي رواية أخري في الموضع السابق ذاته تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم ومن ثم فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يراعي الفروق الفردية بين المتعلمين, فيرفع الصوت بالعلم, ليسمع من لم يسمع, ويعيد الكلام ثلاثا, ليصل إلي عقول المتعلمين وقلوبهم