منذ نعومة أظافرنا وقبل أن تستعد أذهاننا لاكتمال مراحل الإدراك, كانت أعيننا تتطلع علي كل ما يشد انتباهها ويجذب نظراتها وتبتعد عن كل ما يزعجها, فتطرد دون قصد كل ملمح مظلم يشوبه الخوف أو يؤدي إلي الفزع والاضطراب, وكأنها تسابق الزمن بلهفتها الفطرية وسجيتها في الحفاظ علي كل اشراقة محيطة تتلألأ ألوانها الزاهية في ثوب شخص يشعرها بالأمان..أو مكان تنبعث منه رائحة الألفة..أو بيئة تفوح منها عطور المودة والدفء النابعة من مشاعر حقيقية وغريزة فطرية لا تعبر عنها الكلمات. ولكنها معان صادقة تتجمع حروفها لتتلخص لنا في كلمة وطن. والآن وقد عبرت السنوات بنا عقودا زمنية كافية أدركنا خلالها القيمة الحقيقية للوطن بكل ماتحويه ملامحه, حيث لم يقتصر الأمر علي مراجعة كتب التاريخ أو سطور المؤرخين لتتبين لنا الأطماع المحيطة ببلادنا, ولكننا بالفعل عاصرنا أزمات صعبة وشدائد عاتية, حاولت رياحها الإطاحة بشموخ إرادتنا وهدم جبال آمالنا في بناء مصر المستقبل كما حلمنا أن نراها..وبرغم كل المحاولات البائسة التي مازالت تحاول النيل من بلادنا إلا أن الإرادة المصرية اختارت طريق التحدي والمواجهة وثابرت بصلابة وصبر لتخطو بوطن الحضارة لبر الأمان والاستقرار. ولا أحد يستطيع أن ينكر أنه برغم ماشهده بلدنا الحبيب مصر من معاداة لرؤيتها ومحاربة لإرادتها إلا أن تلك الإرادة الصامده التي تأبي الانكسار أو الرضوخ أجبرت دول العالم أجمع علي احترامها وأثبتت جدارتها في التخطيط والرؤية المستقبلية لمواجهة كافة الضغوط الخارجية والداخلية التي حاولت توريطها في أحداث عنف,أو تشويه صورتها بالعديد من الإدعاءات والمزاعم الباطلة التي صورت مواجهتها للإرهاب علي أنها صراعات ونزاعات داخلية. واليوم وبعد فترات قاسية ومراحل متنوعة من العناء والمثابرة وبشهادة دولية وبإجماع كافة الدول الأعضاء بمجلس الأمن تتصدر مصر دول العالم أجمع في مواجهة التطرف والإرهاب حيث فازت برئاسة ثلاثة لجان رئيسية بالمجلس وعلي رأسها لجنة مكافحة الإرهاب, حيث إن رئاسة هذه اللجنة تتيح لمصر تقديم مقترحات وإستراتيجيات قابلة للتنفيذ لحصار الإرهاب واستئصال جذوره, كما أنه بإمكانها وضع قيود دولية لوقف انضمام الشباب للجماعات المتطرفة, بالإضافة إلي دراسة تجفيف منابع الإرهاب المادية والبشرية حول العالم. كما أن من صلاحيات المنصب إقناع أكبر قدر من دول العالم للمشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب عسكريا ومعلوماتيا, وفتح قنوات دولية لتبادل المعلومات الاستخباراتية, وإنشاء لجان مخولة بتتبع العناصر الإرهابية وتحركاتهم عن طريق مراقبة الحدود بين الدول وفحص المهاجرين واللاجئين حتي لا يكونوا مظلة لتفلت المتشددين عبر الحدود. وأري أن هذه الخطوة أثبتت اكتساب مصر لثقة دولية كبيرة تؤكد توازن العلاقات المصرية الإفريقية; وهذا مايعكسه اختيار دول افريقيا للرئيس عبدالفتاح السيسي للتحدث باسمهم في قمة المناخ بباريس..فضلا عن أن تصويت الدول المشاركة لصالح مصر بالإجماع دون اعتراض يعكس نجاح السياسات المصرية مع دول العالم أجمع سواء الغرب المتمثل في أمريكا أو الشرق مع روسيا والصين أو أوروبا مع فرنسا, مما يؤكد استرداد مكانة مصر ودورها الريادي الذي كان ومازال يعلم العالم أجمع معالم الثبات والشجاعة برغم تفشي داء الإرهاب الذي خلفته الأنظمة الفاشية السابقة وأذنابها المتطرفة والدول الراعية لهم. وليس من الغريب علي بلد الأمن والأمان أن تقود العالم في مواجهة التطرف واقتلاع جذوره, ولكن بلادنا اليوم بحاجة لتكاتف جميع الجهود لمحاصرة هذا الداء واستئصاله, وضرورة الانتباه واليقظة لقطع الطريق علي كل من يحاول جر بلادنا للفوضي أو يورطها في أعمال عنف.