لم تكن الطائرة الروسية المنكوبة هي الأولي التي تسقط.. فحوادث الطيران كثيرة.. لكن ما هو المختلف في هذه الحادثة؟.. وربما.. بل هناك يقين أنه لو كانت الطائرة التي سقطت تابعة لدولة أخري.. لما توالت الأحداث, وتعاقب بحدة وسرعة وعشوائية التناول الهستيري غربيا وأوروبيا علي النحو المحموم الذي حدث.. فما هو البعد غير المرئي في حقيقة كون الطائرة روسية؟ وابتداء يجب أن نقرر أنه إضافة لكون الطائرة بضحاياها من روسيا.. الدولة القوية التي تنازع أمريكا السيادة بين الدول العظمي, هناك عنصر آخر, وهو أن الطائرة أقلعت وسقطت في مصر.. فإذا وضعنا روسيا بجوار مصر في هذا التوقيت بالذات, لتبينا دلالة.. بل دلالات. وببعض التأمل لهذين العنصرين, تتضح بعض الأمور التي يجب أن نضعها في اعتبارنا, ونحن نتعامل مع هذه الأزمة. لقد أتت حادثة سقوط الطائرة الروسية في أرض مصرية كحادثة مواتية للمصلحة السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط الهائج بالأحداث, ومصلحتها في علاقاتها مع غريمتها روسيا, ومواتية في علاقاتها العميقة والممتدة, الدافئة أحيانا, والمتوترة أحيانا.. والجدلية أحيانا, والمهمة دوما مع مصر. أما في شأن روسيا, فلعل الحادث قد ألهب مخيلة أمريكا لتوجيه رسالة تحذير لها, وكأنهم يقولون لروسيا.. أن تتوقف عن دعم النظام السوري.. وتكف عن ضرب تنظيم داعش الإرهابي في سوريا.. وأن تمثل علينا نحن العرب, كما يمثلون هم, الأمريكان والغرب, علينا.. ويدعون بهتانا أنهم يقاتلون الدواعش لعدة سنوات.. ولكنهم لا يقاتلونهم.. بل يحمون مصالحهم.. ولا يصطدمون برغبات العرب أصدقائهم الطيبين الكرماء مع الغرب والعدائيين مع بعضهم البعض.. والرسالة تكملتها.. أن روسيا التي استهدفت هذه الجماعة الإرهابية لعدة أسابيع فقط, أسقطوا لها طائرة مدنية عليها مئات من المدنيين الروس, بينما الغرب بدوله الكثيرة يحاربون التنظيم صوريا لعدة سنوات ولم يخسروا ولاءه, أي داعش, لهم.. بدليل أن الدواعش لم يستهدفوا أي مصلحة غربية.. رغم الحرب المعلنة من الغرب عليهم.. ولذلك.. رأينا تصميما غربيا بدأ في لندن, وفي وجود الرئيس السيسي.. علي تسريب معلومة تفيد إسقاط الطائرة بتفجيرها بعمل إرهابي.. ليتزامن مع إعلان داعش مسئوليتها عن إسقاط الطائرة. ورسالة أخري إلي روسيا, بأن تكف عن استقطاب الدول التي تعتبرها أمريكا جزءا من مصالحها الإستراتيجية, مثلما هي الحال مع مصر.. والتي تحولت في سياستها الخارجية والعسكرية وغيرها عن الجانب الأمريكي إلي الجانب الروسي.. وقد وجدت فرصة سقوط الطائرة مواتية لتعكير العلاقة المصرية الروسية, ودق إسفين في تلك العلاقة التي بدأت تنمو وبقوة واطراد بعد تولي الرئيس السيسي الحكم. أما الرسالة لمصر.. فهي أن تكف عن تصور أنها يمكن أن تخرج من تحت عباءة أمريكا.. وأن نقتنع, أن أي قوة أخري غير أمريكا.. لا يمكن أن تكون محل اطمئنان واعتماد منا.. وها هي روسيا, التي هلل الكثيرون في مصر للارتباط بها سياسيا وعسكريا واقتصاديا وسياحيا.. قد نفضت يدها منا, وتخلت عن هذه العلاقة, عند أول محك أو اختبار حقيقي لتلك العلاقة. علينا أن نثبت للاختبار خلف قيادتنا.. وأن نعلم أننا نقيم بلادنا بأيدينا.. وأن مصر قوية.. وعلينا أن نحميها بترابطنا.. وإعادة بناء بلدنا.. في عزم وإخلاص وجدية وأمل في المستقبل.. وعندها.. لن تؤثر فينا أزمة.. ولا ألف أزمة.