كانت الصدمة أقوي من أن يتحملها أهالي بلدة ميلفورد بولاية كنيتيكت الأمريكية.. فمن يصدق أن المدرسة الابتدائية في البلدة يمكن أن تلغي الموكب السنوي الذي يشارك فيه التلاميذ بأزيائهم التنكرية احتفالا بالهالوين.. أو عيد الأشباح والعفاريت ؟! والهالوين.. في نهاية شهر أكتوبر من كل عام.. مناسبة رعب مبهجة لاسيما للأطفال الذين يرتدون أقنعة وأزياء تنكرية لشخصيات خيالية.. كالساحرات والقراصنة أو الشياطين ومصاصي الدماء.. ويجوبون بيوت الجيرة عند المساء يجمعون أصنافا لاحصر لها من الحلوي.. ويسبق ذلك في ساعات النهار احتفالات مختلفة داخل فصول المدارس.. أما سبب إلغاء مدرسة ميلفورد لهذا التقليد الاحتفالي بالهالوين فيعود لأن بعض أولياء الأمور المتدينين يعارضون مشاركة أبنائهم في الاحتفال بالأشباح والعفاريت.. ووراء ذلك اعتقاد أن الهالوين كان في الأصل عيدا مسيحيا يعود للعصور الوسطي.. كمناسبة للصلاة علي الشهداء والقديسين.. وعلي مر الزمن تحول العيد من إحياء لذكري المؤمنين إلي احتفاء هزلي بأرواح الشياطين والأشرار.. كغيره من الأعياد مثل الكريسماس وعيد الحب.. صار الهالوين موسم رواج تجاري هائل في الأسواق لبيع مستلزماته من شيكولاتة وحلوي وألعاب وملابس تنكرية. أهالي بلدة ميلفورد الغاضبون وقعوا التماسا مطالبين بضرورة إعادة موكب الهالوين إلي اليوم المدرسي.. باعتباره تقليدا أمريكيا صميما لا ينبغي التخلي عنه, فرضخت إدارة المدرسة لرغبة الأهالي وتراجعت عن موقفها المتحفظ الذي يشاركها فيه جهات اخري لأسباب مختلفة.. فالأطباء مثلا لاسيما أطباء الأسنان لا يكفون عن تحذير أولياء الأمور من خطر الهالوين علي صحة الأطفال لأن كميات الحلوي التي يلتهمونها تضر أسنانهم وأبدانهم, خصوصا أن السمنة صارت وباء يعاني منه أطفال أمريكا.. ووصل الأمر بمجموعة من أطباء الأسنان في ولاية كاليفونيا أن بدأوا برنامجا يغرون فيه الأطفال بالتخلص من الحلوي التي يجمعونها في ذلك اليوم بأن يحضروها إلي عيادات الأطباء ليحصلوا علي مقابل مادي بقيمة دولار عن كل رطل.. وهي صفقة مغرية لأن الأطفال يجمعون في هذا اليوم كميات مهولة من الحلوي قد تصل إلي مائة رطل أو يزيد. ومن الملفت أنه في الوقت الذي يعيد فيه بعض الأمريكيين التفكير في جدوي الاحتفال بالهالوين ويسعون للحد من أضراره.. تتزايد شعبية هذا العيد ويتم الاحتفال به علي نطاق واسع في كثير من الدول الأخري.. ومن بينها دول العالم العربي.. وهو ما يعد في واقع الحال مظهرا آخر من مظاهر الغزو الثقافي أو العولمة.. حيث يبدو كل ما هو غربي مرغوبا وجديرا بالإتباع والمحاكاة.. من الأطعمة السريعة وماركات الملابس الشهيرة.. إلي الاحتفالات والأعياد ومفردات اللغة.. ولكن ما يثير الدهشة والتساؤلات حقا.. هو الاحتفال بالهالوين; فهل يملك أطفال العالم العربي ترف الاحتفال بالأشباح والعفاريت علي الطريقة الأمريكية, في وقت تعيش فيه أوطانهم واقعا يعكس الرعب في مختلف صوره وأشكاله؟!