ما أن بدأت الفترة القانونية المصرح بها لمرشحي مجلس النواب المصري الجديد, إلا وبدأت البلاد تعاني مما اعتدنا عليه كمواطنين في العشر سنوات الماضية من تلوث سمعي وبصري جراء انتهاج بعض مرشحي البرلمان الحاليين لأساليب مختلفة, تبدو في وجهة نظرهم ومستشاريهم قمة في الإبداع الدعائي, ومن هنا راح بعض المرشحين يستخدمون كل شئ وأي شئ يمكنهم استخدامه من اجل الدعاية لهم, وسرعان ما اكتست جدران المنازل والمدارس والمساجد والكنائس وما الي غير ذلك من أبنية حكومية كانت ام غير حكومية, وبالرغم من أن اتباع بعض المرشحين لسياسة الضغط علي الناخبين بمحاصرتهم ليلا ونهارا بصورهم وأسمائهم وشعاراتهم المختلفة,عبر مصلقات توضع بعشوائية شديدة في اي مكان يعن لهم دون ضابط أو رابط,وهو الأمر الذي يسهم في زيادة التلوث البصري الذي نعيشه كل لحظة. إلا أن تلك الممارسة بالرغم من ذلك تعد أخف وطأة وأقل ضررا من سياسة أخري قرر بعضا من المرشحين إتباعها وبكثافة. تتمثل تلك السياسة في استئجار البعض لعدد من السيارات الربع والنصف نقل محملة بعدد كبير من السماعات الضخمة المتصلة بميكروفون يمسك به أحد العاملين بالحملة الدعائية وهو جالس بجوار قائد المركبة التي لا تكف عن إذاعة الأغاني الوطنية بصوت مرتفع مصحوبا بكل عبارات التأييد والمدح والثناء للمرشح صاحب الحملة الدعائية, الأمر لا يتوقف بهؤلاء عند إذاعة الأغاني الوطنية, حيث عمد بعض المرشحين لابتكار اغنية خاصة له يتكرر فيها اسمه في كل مقطع, وهو الأمر الذي لا يثير أعصاب الناخبين المساكين فحسب ولكنه يتسبب في كثير من الأحوال في إحداث جلطات مرورية يعصب علي اعتي رجال المرور في العالم علاجها. تدخل تلك المواكب الصاخبة إلي المناطق الشعبية التي تتميز دائما بضيق شوارعها وبكثرة عدد سكانها ومقاهيها, ويتجه المرشحون في الغالب لتلك الأماكن رغبة منهم في إبراز مدي البساطة التي يتمعتون بها للناخبين, وفي بعض الأحيان تجد تلك المواكب ترحيبا من بعض سكان تلك المناطق لاسيما إذا كان المرشح معروفا سلفا لسكان هذه المنطقة أو تلك, وفي أحيان أخري تجد بعض تلك المواكب نفسها غير مرحب بها علي خلفية تجارب سكانها السابقة مع مرشحين سابقيين أتوا بمثل تلك التصرفات بالضبط,وفور إعلان فوزهم بالمقعد يضربون علي أنفسهم حصارا مكونا من سيارات فارهة ممتلئة بالعديد من رجال الحراسة الشخصية ولا تعرف الناس لهم خبرا او حتي مقرات ثابتة, وحتي في حال اتخاذ بعضهم مقر ثابت معلن عنه يكون أشبه بمكتب للدعاية المستمرة لأسمائهم دون أن يتواجدوا فيه بشخوصهم حيث لا تجد بالمقر في الغالب سوي سكرتير وظفه النائب ليمثله وينوب عنه في اجراء المقابلات واستلام الدعوات والطلبات والشكاوي. أتمني أن تضع الدولة نظاما واضحا ينظم سبل الدعاية لمرشحي المجالس النيابية بما لا يتعارض وما تبقي لنا كمواطنين من بعض اشكال للجمال والهدوء في مصرنا الغالية, بعد أن اختفيا بفعل سلوكيات الكثير منا وليس بفعل إهمال الحكومات في توفيره, وهنا أقترح أن تلزم الدولة جميع المرشحين قبل قبول اوراقهم بالتعهد مثلا بالتعاقد مع مؤسسات صحفية ذات باع في مجال الدعاية والإعلان كمؤسسة الأهرام مثلا, حينها ربما نتخلص من مضار فوضي الدعاية الانتخابية. أستاذ مساعد التاريخ القديم بآداب الإسكندرية