كمال الجويلي.. هو شيخ النقاد التشكيليين وفنان من الطراز الرفيع وصاحب رحله كفاح بدأها بدراسة الفنون الزخرفية ونهاها بدراسة التصوير في أكاديمية الفنون.. شبهه الرائد أحمد صبري عندما شاهده يرسم ببعض عظماء عصر النهضة. يتذكر الجويلي بداياته قائلا: درست الفنون الزخرفية ثم قدمت دراسات حرة بكلية الفنون الجميلة قسم التصوير سنة1942.. لأنني رأيت زميلا لي وأنا في مرحلة الابتدائي يرسم صورة لسعد زغلول وعندما نظرت للصورة اعتقدت أنني لن أستطيع الرسم بهذه الدقة وظلت هذه الفكرة ببالي حتي درست علي يد الرائد أحمد صبري.. وكان يساعده في ذلك الوقت الفنان الراحل حسين بيكار.. وقد أدهشه رسمي وقال إنني أذكره برفايل وعظماء عصر النهضة.. وتأثرت بهذا الكلام وكانت الانطلاقة في دراسة زاملت فيها عددا من كبارالفنان.
* لماذا كنت من أشد المعارضين لشرط المجموع للقبول في كلية الفنون الجميلة؟ ** هذه كانت كارثة لأن الموهبة لا تحتاج إلي مجموع وإنما إلي استعداد فطري لدي الموهوبين.
* وما رأيك فيما يسمي بالحداثة في الفن التشكيلي..؟ ** هناك من يضع خطوطا علي بعضها ويسميها الحداثة. وهناك من يضع خلطة ألوان ويضربها علي اللوحة ويسميها حداثة وهذا تصور خاطئ وكل فن له لغته.. وهذه اللغة لابد وأن تدرس حتي يعرف الدارس المنظور المطلق والتصوير والنحت والجرافيك.
* هل يحظي الفن التشكليي بالاهتمام اللائق به؟ ** الجهات الثقافية تعمل بكل طاقتها لتوصيل هذا الفن.. وهناك جمعية النقاد التشكيليين التي تقيم الندوات واللقاءات والحوارات ولكن المجتمع لايستوعب إلي الان قيمة هذا الفن ويرجع إلي أن هناك30% من المجتمع أميون وأكثر من30% منه فقراء فكيف يذهبون إذن إلي المعارض وسط حالة من للجهل السائد لدي عدد كبير من الناس.
* كيف نقضي علي العزلة القائمة بين الفن التشكيلي والجماهير؟ ** هذه العزلة لا تخص الفنان وإنما هي عزلة المجتمع عن الفن.. الناس تفتقد لحاسة التذوق ولا ألوم الجمهور لأنه لا يوجد من يوعيه ويعلمه.. والتلاحم يأتي من المتذوق.. وللأسف مازال جمهور الفن التشكيلي قليلا وهذا ليس تقصيرا من الفنان لأن هناك تجارب تقوم بعمل المعرض في الشارع علي سور الأوبرا مثلا وهناك محاولات عديدة ولكن العملية معقدة فما زالت الثقافة المجتمعية لتذوق الفن قليلة وقاصرة علي فئات محدودة.. وللأسف كيف ينمو الفن في مجتمع يسأل أصحابه إلي الآن إن كان تصوير المرأة حلالا أم حراما.. مازال التفكير مقصرا للأسف هناك من يعود بنا إلي الخلف وأول من يتأثر هو الفن.
* وأين دور المدرسة في التوعية وتنمية المواهب..؟ * التعليم لدينا متخلف.. فالفصل الذي تكدس به عشرات الطلاب هل يستطيع أن يعلم أو يوعي.. لا أظن.
*ما هي مواصفات الفنان الجيد...؟ ** عندما ذهب محمود مختار لفرنسا وظل بها مدة طويلة بسبب ظروف الحرب العالمية الأولي قال له أستاذ يعلمه النحت: لماذا أنت هنا.. اذهب لبلدك وسوف تستفيد أكثر.. أنتم الفراعنة بلد النحت: وعاد مختار وذهب للمتحف المصري وتأمل وذهب للأقصر وتأمل وتأثر بقوانين الفن المصري القديم وبالروائع التي رآها ومن هنا نستطيع أن نقول إن الأمجاد والتاريخ هما الأساس الذي يتربي عليه الفنان الجيد فحين نري تمثال رمسيس مثلا نظن هؤلاء الناس كانوا يدرسون أحدث النظريات.
* حضرت ترميم تمثال رمسيس ونقله من ميت رهينة إلي باب الحديد.. كيف تم ذلك؟ ** النحات العظيم أحمد عثمان التي انشأ كلية الفنون الجميلة بالأسكندرية كان صديقي وقال لي إنه سينقل تمثال رمسيس.. إلي ميدان باب الحديد وقتها كان التمثال ملقي علي الأرض في أربعة أجزاء في ميت رهينة.. وقد حضرت عملية ترميمه. عندما رأيته عن قرب لاحظت أن النظريات الحديثة جدا جدا موجودة فية فمثلا الفنان القديم كان يدرك أن التمثال علي ارتفاع12 مترا.. إذن يجب أن تكون هناك نسب للوجه وللرأس وللكتف مع الاستمرار والمتابعة والتأمل.
* ما اللوحة التي لفتت انتباهك بشدة ومازلت متأثرة بها إلي الآن..؟ ** لوحة لمحمود سعيد اسمها ذات الجدائل الذهبية وهي لوحة لسيدة تجلس علي الشاطئ ولها ضفائر ذهبية جميلة رسمها ببراعة..
*ما السبب في قلة عدد النقاد التشكيليين..؟ **أولا.. نادرا ما يتفرغ أحد للنقد.. معظم من ظهر في النقد التشكيلي ظهروا من خلال الصحافة دون التفرغ للكتابة عن المعارض.. واذا اشتغل أحد بالنقد فلن يجد دخلا ينفق منه.. وإذا قارنا النقد التشكيلي بالنقد المسرحي والسينمائي مثلا سنجده أقلهم أجرا ويعود السبب لقلة جمهوره..
* برأيك كيف نعود العين علي الجمال..؟ ** من خلال الطبيعة.. نجمل الشوارع والبيوت وكل ما يحيط بنا حتي تعتاد العين رؤية الجمال ورفض القبح واتذكر الرائد حامد سعيد إذ أنشأ مدرسة, كان يعطي للتلاميذ ورقة شجرة أو قطعة زلط ويطلب منهم رسمها..فالطبيعة هي الملهم يضاف إليها الخيال واتذكر أن أول جماعة فنية شارك في تأسيسها محمود مختار في جيل الرواد كان اسمها جماعة الخيال.. كانوا يحضرون الطبيعة ثم يضيفون إليها الخيال.