كانت العلاقات الخليجية الأمريكية قد شهدت مؤخرا اضطرابا لم تعرفه من قبل علي مدي عقود طويلة, علي خلفية التباين في التعاطي مع عدد من الملفات الإقليمية التي تفجرت في الشرق الأوسط حتي جاء التقارب الأمريكي- الإيراني ليلقي حجرا في نهر التحالف التاريخي, ضربت موجاته الاستقرار الذي طالما كان يوصف به هذا التحالف القوي, مخلفا زوبعة سياسية هي الأسوأ في تاريخ العلاقات بين الخليج والولاياتالمتحدة في سبعين عاما. ثلاثة اجتماعات طويلة شهدتها العاصمة واشنطن, والمنتجع الرئاسي كامب ديفيد كانت كفيلة بمعالجة هذه الزوبعة السياسية, وتصحيح مسار العلاقات الخليجية- الأمريكية بأبعادها الإستراتيجية علي مختلف المحاور, واستعادة الثقة في الحليف الأمريكي, فالولاياتالمتحدة جددت تعهداتها لدول الخليج بالعمل علي ردع ومواجهة أي تهديد خارجي ضد سلامة أراضيها بما في ذلك الاستخدام المحتمل للقوة العسكرية, بل وصل الأمر إلي الإعلان عن إقامة شراكة إستراتيجية جديدة بين الولاياتالمتحدة ودول الخليج. الملف الإيراني الذي عقدت من أجله القمة الأمريكية- الخليجية, ودارت حوله مناقشاتها, جري تناوله في البيان المشترك بشكل توافقي حيث تم الإعلان عن معارضة أمريكا ودول الخليج للأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة, والتأكيد علي العمل المشترك لمواجهتها, بينما في الوقت نفسه تم توجيه الدعوة لإيران للانخراط في المنطقة وفقا لمبادئ حسن الجوار والالتزام الصارم بعدم التدخل في الشئون الداخلية, واتخاذ خطوات عملية وملموسة لبناء الثقة وحل الخلافات مع دول الجوار الخليجية. وواقع الأمر أن العلاقات الإيرانية- الخليجية لا ينبغي أن ينظر إليها بمنظور منظومة العمل الخليجي المشترك, فالعلاقات بين طهران وبعض العواصم الخليجية لا تعكس الموقف الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية قوية معها, فلا توجد مثلا مشكلة في العلاقات بين إيران وسلطنة عمان بل علي العكس هناك تفاهمات علي مستوي عال من التنسيق تبدو واضحة في استضافة الأخيرة لجولة من المفاوضات الخاصة بالتمهيد للاتفاق الخاص بالملف النووي الإيراني مع القوي الغربية. الإمارات هي الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران وأكثر دول الخليج انفتاحا اقتصاديا علي طهران, علي الرغم من الخلاف حول الجزر الإماراتية المتنازع عليها في الخليج والخاضعة للسيطرة الإيرانية, كما أن هناك جالية إيرانية كبيرة في الإمارات, تمتلك مئات الشركات, والزيارات المتبادلة بين المسئولين الإماراتيينوالإيرانيين لا تتوقف ودائما ما توصف العلاقات في البيانات الرسمية بالإستراتيجية. أما بالنسبة لقطر فكانت علي الدوام الأكثر قربا من إيران, وسعت إلي خلق حالة من التوازن بين علاقاتها مع إيران ووجودها في مجلس التعاون الخليجي, وكانت أول من كسر المقاطعة مع إيران, بل نادت بإشراكها في مهمات حفظ الأمن في المنطقة باعتبارها الأكبر والأقوي. ما تدركه دول الخليج جيدا إن إيران رغم ما ارتكبته من تجاوزات في تعاملها مع ملفات وقضايا إقليمية, لن تقدم علي عمل عسكري يهدد الدول الخليجية, فهي تعلم تماما أن هناك خطا أحمر دوليا سيكون تجاوزه حماقة هي أعقل من ارتكابها, وتهور لا تحتاج إلي اختباره, بينما هي علي وشك جني مكاسب طالما سعت إلي تحقيقها دون الحاجة إلي مغامرات عسكرية نتائجها غير مضمونة. وإذا كانت دول الخليج قد حصلت في قمة كامب ديفيد علي تأكيدات وتعهدات أمريكية بمواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة, ومنحت أوباما الموافقة علي التفاوض مع طهران بشأن صفقتها النووية, فعليها أن تسعي لاستثمار أرضية التفاهم والعلاقات التي تربط بين طهران وعدد من العواصم الخليجية لبدء حوار خليجي- إيراني يبدد المخاوف, ويضع كل طرف أمام مسئولياته تجاه منطقة حيوية لا تحتمل المزيد من التوترات والغموض.