ذكرت فى مقالى السابق مزايا وسيئات القرار الوزارى رقم 153 لسنة 1998 وتعديلاته والذى تضمن الكود المصرى لأسس التصميم واشتراطات التنفيذ لحماية المنشآت من الحريق، والمسمى بكود المباني، وذكرت أنه حوى من الاشتراطات الكثير، وقد كانت تلك الاشتراطات من الكثرة والشدة وارتفاع التكلفة بحيث قدر لها الخبراء أنها تساوى 10% من التكلفة الإجمالية لكل مبنى، وكأنه ستتم إقامة ذلك المبنى وحيداً بالصحراء وبعيداً عن أماكن الإنقاذ، وكأن ذلك المبنى يجب أن يتم إطفاء حرائقه ذاتياً دون الاستعانة برجال الإطفاء الذين يبقون بلا عمل أو صلاحيات داخل مراكزهم المنشأة فقط لهذا الغرض، فإذا ما كانت التكلفة الإجمالية المتوسطة للمبنى السكنى المعقول لن تقل عن عشرة ملايين جنيه، فإن المطلوب إنفاقه على سلامته طبقاً لهذا الكود لن يقل فى المتوسط عن مليون جنيه، تصرف وتظل عاطلة دون عائد حقيقى مباشر سوى العمل على تقليل مقدار الخسائر فى الأرواح والممتلكات من جراء كوارث من المعلوم أن معدل تكرار حدوثها وخاصة فى المناطق العمرانية الجديدة يكون فى الغالب ضعيفاً. لذلك نطرح هذا التصور: فعلى افتراض أن بكل منطقة عمرانية جديدة مائة مبنى جديد مثل الذى اتخذناه مثالاً فى صدر تلك المقالة وقدرنا تكلفته بعشرة ملايين من الجنيهات، فطبقاً لهذا الكود ستتم إضافة عشرة فى المائة من تكلفة كل مبنى منها لأعمال الوقاية، فإذا حسبنا التكلفة الإجمالية التى ستضاف لكل مبانى تلك المنطقة فستكون مائة مليون جنيه بالتمام والكمال، فهل يعقل هذا؟! فإذا ما أخذنا فى الاعتبار معدل احتمالات تكرار حدوث تلك الحوادث بدقة. فلماذا إذن لا يؤخذ ربع هذا المبلغ الإجمالى المدخر والعاطل عن التوظيف مثلاً (بالطبع مع اشتراط توافر كل سبل الوقاية المعقولة والطبيعية فى كل مبني) ويخصص هذا المبلغ المستقطع للعمل على توفير كل وسائل الحماية والسلامة بتلك المنطقة السكنية الجديدة مركزياً، فى مركز الإطفاء القائم بالفعل أو المراكز الجديدة التى يتم إنشاؤها بتلك المنطقة، بحيث نوفر بعضا من الطاقات القومية العاطلة ونستفيد من التخصص والخبرة وضخامة المعدات وحداثتها والتى ستتوافر فى هذا المركز الإطفائى المجمع العالى القدرات والإمكانات. وتعظم أهمية هذا الاقتراح بعد إصدار قانون البناء الموحد الجديد والذى اشترط أن يكون تحت كل مبنى سكنى جراج يخصص لسيارات سكان العمارة، فقد نتج عن التطبيق العملى لكود السلامة السالف الذكر أن باتت المساحة المتبقية أسفل الدور الأرضى بالعمارة والتى من المفترض أن تستغل جراحاً لا تسمح من حيث الواقع لاستخدامها لهذا الغرض، ويرجع ذلك لشغل معظمها بالسلم الرئيسى للعمارة فضلاً عن سلم الطوارئ ومصاعد العمارة ومصعد الطوارئ، كذا الغرفة المخصصة لوجود محولات الكهرباء المغذية للعمارة، ثم أعمدة الأساسات الكثيرة والضخمة الحاملة للهيكل الخرسانى لها، والتى هى أكثر من المعدل الطبيعى للسلامة، إلا أن عددها ومقطعها أصبح مبالغاً فيه بسبب كود السلامة العامة سالف الذكر، فأصبحنا أمام منظر مألوف وهو وجود دور سفلى بكل عمارة من المفترض أن يكون جراحا إلا أنه مغلق لا يستخدم، وإذا قدر له أن يستخدم فلن تسمح المساحة المتبقية فيه بعد كل تلك الاستقطاعات إلا لمبيت عدد محدود من سيارات سكان العمارة، والبقية تظل مشكلتهم قائمة تضغط فى اتجاه زيادة الكثافة العددية للسيارات التى تبيت بالشوارع، فأى تبذير وإسراف أكثر من ذلك لموارد نحن فى أمس الحاجة للاقتصاد فى استخدامها؟