امتلأت عيونهم بدموع الحسرة وأصواتهم بدت خافتة, وتملكهم الخوف علي أرزاقهم بعد أن أصبح كل ما يملكونه مهددا بالضياع, وحتي حريتهم تسلب منهم بعد تضحيات جليلة قاموا بها في سبيل الوطن, عشرات من المزارعين شاركوا في حروب اليمن و1967 وحرب أكتوبر, يواجهون اليوم خطر الزج بهم خلف القضبان بتهم يصفونها بالملفقة. ومنذ حقبة التسعينيات ويعيش هؤلاء المزارعون البسطاء بمركز يوسف الصديق بالفيوم, صراعا لايهدأ ولم ينته مع عائلة الدكتور يوسف والي, نائب رئيس الوزراء, ووزير الزراعة الأسبق في عهد مبارك, فالاتهامات متبادلة بين الطرفين, حول أحقية كل منهم فيما يقرب من400 فدان, الأمر الذي وصل بالفلاحين أن يستنجدوا بالرئيس عبد الفتاح السيسي, لحمايتهم مما وصفوه ببطش ونفوذ عائلة والي. فيما تنفي عائلة والي أحقية هولاء المزارعين في الأراضي المتنازع عليها, وتؤكد أن كل تلك الأراضي حق لها منذ رفع الحراسة عن أراضيهم في عام.1969 يروي عبد التواب أبو المجد, مزارع بقرية الأبعادية, التابعة لمركز يوسف الصديق بداية قصة الصراع الحكاية تبدأ منذ أن وزع الرئيس جمال عبدالناصر مساحات من الأراضي الزراعية علي فلاحي الفيوم وفقا لقانون الإصلاح الزراعي رقم50 لسنة1969 م وحصل بموجبه الفلاحون علي عقود إيجار للأراضي مدي الحياة وهذه العقود تتيح لهم توريث الأراضي لأبنائهم, والمشكلة أن الأراضي التي حصل عليها مزارعو مركز يوسف الصديق كانت تلامس أراضي عائلة يوسف والي. وتابع: بدأت المأساة مع تولي يوسف والي مسئولية وزارة الزراعة, حيث بدأ يخطط للاستيلاء علي الأرض كاملة, وبالفعل منذ تولي والي الوزارة بدأ في وضع خططه للاستيلاء علي أراضي مركز يوسف الصديق المملوكة لصغار الفلاحين وشباب الخريجين, حيث قام والي برفع قضايا علي الإصلاح الزراعي, طالب فيها بأحقيته في عرض أراضي الفلاحين مركز يوسف الصديق للبيع, إلا أنه تم رفض الدعوة مرتين لذلك لجأ والي إلي ضم الإصلاح الزراعي لتبعية وزارة الزراعة ليكون تحت تصرفه وقام برفع القضية مرة أخري ولكن هذه المرة نجح في تحقيق ما يريد وكسب القضية. وقال أبو المجد: علي الرغم من أنه لا يحق لصاحب مصلحة أن يقاضي نفسه ولكن يبدو أن الحق في مصر ضائع علي طول الوقت, فبعد ان كسب والي القضية عام1997 م وأصبح من حقه عرض الأراضي للبيع قام بالإعلان عن مزاد وهمي وباع أراضي مركز يوسف الصديق لنفسه, فإن بعض الفلاحين بالمركز علموا بموعد المزاد وحضروه وكنت ضمن المشاركين, وقاموا بشراء أراضيهم من جديد, ولكنهم لم يفلتوا من نفوذ يوسف والي, فقام بطرد الفلاحين من اراضيهم مستخدما75 سيارة أمن مركزي ولفق لهم قضايا سرقات وأدخلهم السجن بتهم مزورة. وأضاف عبد التواب, أن هناك52 حكما صدر ضد المزارعين في تهم ملفقة, مشيرا إلي أن والده يبلغ من العمر92 عاما ومصاب بالشلل بعد جلطة أصابته ومحرر ضده محضر سرقة, مؤكدا أن عائلة والي تحرر المحاضر الكيدية ضد عشرات الأسر تقريبا كل20 يوما بحيث تكون هناك سلسلة من المحاضر تتهمنا بالسرقة وأخري محاضر تمكين, هذا بالإضافة إلي التهديدات التي نتعرض لها مستغلين نفوذ عائلتهم. وأكد أبو المجد أن الأراضي محل النزاع وصلت الآن إلي مايقرب من400 فدان, وقام أصحابها باللجوء إلي مجلس الدولة لإثبات ملكية الأراضي, وقال: قدمنا جميع المستندات التي تثبت أحقيتنا في ملكية الأراضي ومازالت القضية منظورة أمام المحكمة منذ6 شهور, وطالب بوقف جميع الإجراءات القانونية والمحاضر الكيدية حتي حكم المحكمة. وأكد محمد يوسف, أحد المزارعين بالأبعدية, أنه مع قيام ثورة25 يناير عاد الأمل للفلاحين من جديد حيث استمد الفلاحون قوتهم من الثورة وعادوا إلي أراضيهم ووضعوا أيديهم عليها وسرعان ما توجهوا للنيابة بالفيوم وحرروا محضر إثبات حالة مدنية وبدأت النيابة في التحقيق في القضية وشكلت مجلس خبراء للنظر في القضية. وتابع: منذ عودتنا إلي أراضينا التي نملك سندات ملكيتها منذ الإصلاح الزراعي وبدأت المحاضر الكيدية ضدنا واتهامنا بسرقة مانزرعه بأنفسنا, حتي أن عائلات كاملة تم تشريدها بعد أن صدرت أحكام غيابية ضدها, والبعض الآخر يتوه في إجراءات معقده وحبس إحتياطي, وبعدها يحصل علي إخلاء السبيل والبراءة في القضية أمام المحكمة. وأضاف ووسط كل هذه القضايا الجنائية تاهت القضية المدنية المتمثلة في أحقية الفلاحين في أراضيهم فأصبح كل أمل فلاحي مركز يوسف الصديق إسقاط القضايا الجنائية الملفقة لهم, لذلك نظموا العديد من الوقفات الاحتجاجية أمام وزارتي العدل والزراعة وأمام قصر الإتحادية, ومجلس الوزراء. ويحكي إبراهيم القرش, أحد فلاحي القرية, عن ثماني سنوات قضاها في حروب للدفاع عن تراب هذا الوطن, منها قرابة ستة أشهر في اليمن, وانتهت بنصر أكتوبر1973, كللت هذه السنوات بقطعة أرض فدانين بأبعدية والي بالفيوم التابعة للإصلاح الزراعي. وبين تجاعيد تركت أثرها علي وجه عفره الزمن بين ويلات الحرب وحرمان الفقر بدأ الرجل الثمانيني يسرد حكايته: بعد ما رجعنا من اليمن خيرونا بين الوظيفة والأرض, وكان اختياري قطعة أرض كمكافأة لاشتراكنا في حرب اليمن, ولكن عاد والي في عام1997 ليستولي علي الأراضي مرة أخري مستغلا نفوذه, وتساءل هل يكون مصيرنا بعد خدمة البلاد والدفاع عن ترابها هو السجن؟. وفي بيان نشرته عائلة يوسف والي, تعليقا علي ما تناوله الفلاحون نفت العائلة كل ما جاء علي لسان الفلاحين, وملكيتهم للأرض من الأساس, وذكرت العائلة في بيانها إن محافظ الفيوم الاسبق قام بإرسال خطاب إلي هيئة الاصلاح الزراعي لإفادته بالوضع القانوني لهذه الأرض وتم تشكيل لجنة لهذا الغرض وأفادت اللجنة بأن هذه الأرض مملوكة لورثة محمد أمين والي وأرسلت خطابات للمعتدين مفادها عدم وجود أي حقوق لهم علي هذه الأرض وأن هذه الأرض لا علاقة للإصلاح الزراعي بها حيث إنها في ملكية خالصة لعائلة والي. الأمر الذي أدي إلي استغاثة المحافظ بالقوات المسلحة لوقف عمليات التخريب بهذه الأرض. وعلي أثر ذلك بحسب البيان قام المحامي العام لنيابات الفيوم الكلية في المحضر رقم(617 لسنة2011 إداري يوسف الصديق), بتشكيل لجنة من خبراء وزارة العدل بالفيوم تتكون من خمسة خبراء, وكلفهم بفحص جميع أوراق ومستندات ملكية وحيازة هذه الأراضي وتقديم تقرير مفصل بذلك وبالفعل قامت اللجنة ببحث الموضوع ومطالعة جميع أوراق ومستندات ملكية وحيازة الأرض, كما انتقلت اللجنة إلي الأرض علي الطبيعة وإلي كل الجهات المختصة والمعنية بذلك وانتهت إلي أن كل هذه الأراضي هي ملكية خالصة لعائلة والي ولا علاقة للفلاحين المعتدين بها ولم تثبت لجنة الخبراء في كل هذه القري أحقية أي فلاح بقيراط واحد في هذه الأراضي. كما أكدت العائلة في بيانها أن هناك بعض الحقائق يجب ذكرها وهي أن هذه الأرض مملوكة لورثة محمد أمين والي بعقد مسجل رقم(1287 توثيق شهر عقاري الفيوم) في أغسطس1952, وتم الاستيلاء عليها بقرار من لجنة تصفية الإقطاع( برئاسة المشير عبدالحكيم عامر) عام1966 وتم رفع الحراسة عنها عام1969 من قبل الزعيم الراحل الرئيس جمال عبدالناصر بعد اتضاح عدم صحة الاتهامات الموجهة من لجنة تصفية الإقطاع, وتمت إعادة الأرض إلي ورثة المرحوم محمد أمين والي. وكان الاتجاه السائد في هذه الفترة هو إعادة تسليم الأرض للملاك محملة بعقود إيجار لصغار المزارعين وهو ماتم بالفعل, وقام الملاك برفع قضايا علي بعض من هؤلاء الفلاحين لعدم سدادهم الإيجار, وقد أخلي كثير منهم هذه الأرض سواء بالقضايا أو بالتراضي, وتبقي بعض الفلاحين المستأجرين تم تطبيق القانون عليهم( قانون المالك والمستأجر بالأراضي الزراعية). وأكد البيان أن الفلاحين قاموا بالاستيلاء علي400 فدان منتجة بالقري الآتية:( الخواجات, الأبعادية, الخلطة, عزبة أحمد أفندي, قوته الشرقية, قوته الغربية), وتم نهب منزل المرحوم المهندس علي والي تماما ومحاصرة منزل المهندس محمود والي ولم يتم إخراج ساكنيه إلا بالقوات المسلحة( وهذا مثبت في محاضر الشرطة العسكرية) وكذلك هدم الأسوار وتخريب الزراعات التي كانت من أكثر مناطق الجمهورية تصديرا للعنب والزيتون.