ما أكثر من يتكلمون وما أقل من يعلمون وما أقل من للحق ينصرون وخير ما يترجم عما في القلب هو اللسان فاللسان دليل الفؤاد والمرء مخبوء تحت لسانه وكما قيل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان علي الفؤاد دليلا وكم من الناس يشغل حيزا من الفراغ, وحجمه ضخم ومنتفخ الأوداج تهلع من منظره فإذا اقتربت منه وجدته لا يشغل حيزا من الفراغ الأرضي وحسب, بل يشغل حيزا من الفراغ النفسي فهو متعطل ومتبطل, ومشغول بالباطل ممتلئ هواء وفؤاده هواء, ثم يتعالم بلا علم وما أكثر من يتعالم, يظن نفسه عملاقا وهو قزم, وتلك ثالثة الأثافي, وبين ذا وذا يقف الكثير من الناس عند حد القول ولا يفعل, ولا يترجم القول فعلا ملموسا علي أرض الواقع, بل يظل يحيا في ضلاله القديم, وفيه يهيم, فلا يري إلا من طيات ذاته ولا يستطيع أن يخرج من شرنقة الذات التي صنعها لنفسه ومهما أخذت بيده فلن يقوم بل يؤثر أن يظل علي هذه الحالة وربما أراد أن يجذبك إليه كي تبقي في دائرة المسحور وفي سجن المأسور وإن لم تنأ بنفسك عنه تعبت وما وصلت إلي شيء ويظل يحدثك عن دروب المحال وهنا أذكر في هذا المضمار بيتا من الشعر قلته: بني وهما علي وهم ليحيا بين جدران المستحيل ما أكثر الخيال الذي يتراءي للنظار والسراب الذي يتخايل أمام عينيه ويجري كموج الماء الهادر ويسير وراءه عله أن يناله فإذا جاءه لم يجده شيئا, فلنحذر من شرب السراب, فذاك لا يطفئ حرارة ظمآن بل يسقيه كئوسا من الأوهام. أما ترجمة الأقوال إلي أفعال ملموسة علي أرض الواقع فهو ما يأسر ويؤثر في جموع بني البشر فيظل ذكره مدويا بين بنيهم لا يذكر إلا ومعه أفعاله ومآثره وخصاله حتي وهو بين أطباق الثري. ومما يفسد علي الإنسان حياته ورأيه: قلة العزيمة وسفول الهمة يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها وكما قال الشاعر: إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا والإنسان الذي يقف موقف البين بين هذا هو آفة من لآفات التي ابتلي بها المجتمع وعالة علي الناس وأنأي ما يكون عن الواقع. ولما رقي يزيد بن أبي سفيان المنبر فتكلم فارتج عليه, فاستأنف فارتج عليه, فقطع الخطبة, فقال: سيجعل الله بعد عسر يسرا, وبعد عي بيانا, وأنتم إلي أمير قوال أحوج منكم إلي أمير قولا فبلغ كلامه عمرو بن العاص, فقال: هن مخرجاتي من الشام استحسانا لكلامه. وهنا أقول ما أقل من بالحق يجهرون به يصدعون, وما أكثر من به يهمسون وأردد مع شيخ المعرة قوله: إذا قلت المحال رفعت صوتي وإن قلت اليقين أطلت همسي.