رغم كل ما كتب وقيل ويقال في وسائل الإعلام الغربية من تقارير وتحليلات سياسية حول الخطر الإيراني علي المصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط, وبصفة خاصة علي الكيان الصهيوني المسمي بإسرائيل لاسيما بعد إعادة تشغيل طهران لبرنامجها النووي المثير للجدل الذي بدأ منذ خمسينيات القرن العشرين بمساعدة أمريكية تحت عنوان الذرة من أجل السلام وقت حكم الشاه السابق محمد رضا بهلوي. بعد توقف الأبحاث السرية النووية بأمر الخميني قائد الثورة الإسلامية التي أسقطت حكم الشاه عام1979, لاعتقاده بأن الأسلحة النووية محظورة لأسباب دينية وأخلاقية, ثم عاد وسمح باستئناف تلك الأبحاث علي نطاق محدود في وقت لاحق, لتنطلق مرة أخري وبقوة عام1989 بعد وفاة الخميني, ويتوسع البرنامج النووي الإيراني ويفتتح مفاعل بوشهر رسميا في عام2011 بمساعدة روسية, ما أثار حفيظة كل الدول الكبري وفي المقدمة إسرائيل. التقارير الغربية دأبت علي التحذير من الخطر الذي تمثله الجمهورية الإسلامية علي أمن واستقرار العالم ولا سيما علي إسرائيل باعتبارها دولة دينية تسعي إلي تمديد نفوذها في الإقليم علي حساب دول الجوار, وعلي حساب مصالح الغرب الاقتصادية. الآن.. وبعد الاتفاق الإطاري الذي توصل له المفاوضون الإيرانيون مع الدول الكبري في آخر لقاء ضم الطرفين في مدينة لوزان السويسرية, والذي يقضي باعتزام الكبار بزعامة واشنطن رفع العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضتها الأممالمتحدة علي إيران في وقت سابق بسبب برنامجها النووي للحد من طموحها لإنتاج أسلحة نووية, وبعد إعلان روسيا أمس رفع الحظر عن تسليم إيران صواريخ إس300, المضادة للطائرات والصواريخ الموجهة, يمكن القول بدرجة ثقة كبيرة أن اتفاقا غير مكتوب أو سباقا غير معلن قد بدأ بين الشرق ممثلا في روسيا والصين علي وجه التحديد وبين الغرب ممثلا في الولاياتالمتحدة وحلفائها علي دعم طموح وأطماع إيران في المنطقة, وتثبيت دعائم حكم الملالي بتقديم كل التسهيلات التي من شأنها تقوية وضعها كقوة إقليمية فاعلة في المنطقة. فقد نقلت وكالة انترفاكس الروسية للأنباء أمس عن مسئول في وزارة الدفاع الروسية قوله إ ن الوزارة ستكون مستعدة لتسليم منظومة صواريخ إس-300 لإيران سريعا إذا حصلت علي الضوء الأخضر لعمل ذلك. الغريب أن موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية اقتصر علي إعلان قلقها إزاء الخطوة الروسية علي لسان وزير خارجيتها جون كيري لنظيره الروسي سيرجي لافروف, وانتقادها علي استحياء علي لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع البنتاجون, الذي ذكر باعتراض بلاده القديم علي الصفقة, مختتما تصريحاته بأن رفع الحظر لا يساعد!! كما نددت إسرائيل بالقرار الروسي, حيث أعلن وزير الاستخبارات يوفال شتاينتز في بيان هذه نتيجة مباشرة للشرعية التي منحت لإيران عبر الاتفاق الجاري إعداده, والدليل علي أن النمو الاقتصادي الذي سيلي رفع العقوبات ستستغله إيران في مجال التسلح وليس لما فيه خير الشعب الإيراني. ورغم العداء الشكلي وغير الحقيقي بين إيران وإسرائيل إلا أن تحفظات شتاينتز تشتمل علي قراءة واقعية لما يجري بالفعل من مكافأة الكبار لإيران والسماح بتمددها ودعم نفوذها بشكل أكثر خطورة علي دول الجوار العربية, وليس علي إسرائيل بطبيعة الحال. الأخطرمن ذلك ما ورد علي لسان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أمس لتبرير قرار بلاده رفع حظر تسليم صواريخ إس300 لإيران والذي أكد فيه: إن أنظمة الدفاع الجوي مهمة لإيران, خاصة في ظل الوضع في اليمن وإن روسيا لا تنظر إلي الجوانب التجارية من توريد هذه الصواريخ!! وفي هذا التصريح اعتراف روسي صريح ومباشر بأن منظومة الصواريخ المقرر تسليمها لإيران في أقرب وقت ممكن, سيتم استخدامها خارج حدود إيران, وبالتحديد في اليمن وفقا لتصريحات لافروف لوكالة سبوتنيك الروسية أمس حيث قال: نظام الدفاع الجوي الحديث مهم الآن جدا لإيران في ضوء التصعيد الحاد للتوتر في الفضاء المحيط بها, خاصة ما يتضح من التطور السريع, في الأسابيع الأخيرة, للنشاط العسكري في جميع أنحاء اليمن. تصريحات لافروف تعني تبني روسيا موقفا معارضا ل عاصفة الحزم يتجاوز الرفض الدبلوماسي والإعلامي إلي العمل المباشر علي إجهاضها من خلال دعم إيران بأسلحة متطورة حتما ستجد طريقها إلي الميليشيات الحوثية الانقلابية في اليمن المدعومة بالتمويل والسلاح والذخائر والمشورة العسكرية من جانب إيران. إيران من جانبها لم تخف سعادتها بقرار موسكو وأعلنت علي لسان مستشار رئيس مجلس الشوري أن بإمكانها حقا الاعتماد علي روسيا, مضيفة أن الأمريكيين وحلفاءهم لن يتمكنوا من تقويض التوازن في المنطقة وإملاء شروطهم, متناسية أن الضوء الأخضر لتزويدها بمنظومة الصواريخ الروسية لم تأت إلا بعد اتفاق لوزان الذي أهدته لها واشنطن علي طبق من ذهب. السباق الآن بين الدول الكبري علي أشده لمؤازرة طهران في خطواتها التي لم تؤد إلا إلي إشعال المزيد من فتائل الحروب الأهلية المذهبية في المنطقة.